الرابع : أنّ الحديث الثاني عشر الدالّ على نسخ الحديث بالحديث ، على تقدير شموله للروايات الإماميّة ـ بناء على القول بكشفهم عليهمالسلام عن الناسخ الذي أودعه رسول الله صلىاللهعليهوآله عندهم ـ هل هو مقدّم على باقي الترجيحات أو مؤخّر؟ وجهان : من أنّ النسخ من جهات التصرّف في الظاهر ؛ لأنّه من تخصيص الأزمان ؛ ولذا ذكروه في تعارض الأحوال ، وقد مرّ وسيجيء تقديم الجمع بهذا النحو على الترجيحات الأخر.
ومن أنّ النسخ على فرض ثبوته في غاية القلّة ، فلا يعتنى به في مقام الجمع ، ولا يحكم به العرف ، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات الأخر ، كما إذا امتنع الجمع. وسيجيء بعض الكلام في ذلك.
الخامس : أنّ الروايتين الأخيرتين ظاهرتان في وجوب الجمع بين الأقوال الصادرة عن الأئمّة صلوات الله عليهم ، بردّ المتشابه إلى المحكم. والمراد بالمتشابه ـ بقرينة قوله : " ولا تتّبعوا متشابهها فتضلّوا" ـ هو الظاهر الذي اريد منه خلافه ؛ إذ المتشابه إمّا المجمل وإمّا المؤوّل ، ولا معنى للنهي عن اتّباع المجمل ، فالمراد إرجاع الظاهر إلى النصّ أو إلى الأظهر.
وهذا المعنى لما كان مركوزا في أذهان أهل اللسان ، ولم يحتج إلى البيان في الكلام المعلوم الصدور عنهم ، فلا يبعد إرادة ما يقع من ذلك في الكلمات المحكيّة عنهم بإسناد الثقات التي تنزّل منزلة المعلوم الصدور ، فالمراد أنّه لا يجوز المبادرة إلى طرح الخبر المنافي لخبر آخر ولو كان الآخر أرجح منه ، إذا أمكن ردّ المتشابه منهما إلى المحكم ، وأنّ الفقيه من تأمّل في أطراف الكلمات المحكيّة عنهم ولم يبادر إلى طرحها لمعارضتها بما هو أرجح منها.
والغرض من الروايتين الحثّ على الاجتهاد واستفراغ الوسع في معاني الروايات وعدم المبادرة إلى طرح الخبر بمجرّد مرجّح لغيره عليه.
المقام الثالث : في عدم جواز الاقتصار على المرجّحات المنصوصة. فنقول : اعلم أنّ حاصل ما يستفاد (٢٨٦٦) من مجموع الأخبار ـ بعد الفراغ عن تقديم الجمع
______________________________________________________
٢٨٦٦. لم يذكر الترجيح بالأحدثيّة ، مع كونها من المرجّحات المنصوصة ، لإعراض الأصحاب عن الترجيح بها.