نعم ، لما فرض الراوي تساويهما ، أرجعه الإمام عليهالسلام إلى ملاحظة الترجيح في مستنديهما وأمره بالاجتهاد والعمل في الواقعة على طبق الراجح من الخبرين مع إلغاء حكومة الحكمين كليهما ، فأوّل المرجّحات الخبريّة هي الشهرة بين الأصحاب فينطبق على المرفوعة.
نعم قد يورد على هذا الوجه : أنّ اللازم على قواعد الفقهاء الرجوع مع تساوي الحاكمين إلى اختيار المدّعي. ويمكن التفصّي عنه : بمنع جريان هذا الحكم في قاضي التحكيم. وكيف كان فهذا التوجيه غير بعيد.
الثاني : أنّ الحديث الثامن وهي رواية الاحتجاج عن سماعة ، يدلّ على وجوب التوقّف اوّلا ، ثمّ مع عدم إمكانه يرجع إلى الترجيح بموافقة العامّة ومخالفتهم ، وأخبار التوقّف (٢٨٦٥) ـ على ما عرفت وستعرف ـ محمولة على صورة التمكّن من العلم ، فتدلّ الرواية على أنّ الترجيح بمخالفة العامّة بل غيرها من المرجّحات إنّما يرجع إليها بعد العجز عن تحصيل العلم في الواقعة بالرجوع إلى الإمام عليهالسلام ، كما ذهب إليه بعض.
وهذا خلاف ظاهر الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ابتداء بقول مطلق ، بل بعضها صريح في ذلك حتّى مع التمكّن من العلم ، كالمقبولة الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ثمّ بالإرجاء حتّى يلقى الإمام عليهالسلام ، فيكون وجوب الرجوع إلى الإمام بعد فقد المرجّحات. والظاهر لزوم طرحها ؛ لمعارضتها بالمقبولة الراجحة عليها ، فيبقى إطلاقات الترجيح سليمة.
الثالث : أنّ مقتضى القاعدة تقييد إطلاق ما اقتصر فيها على بعض المرجّحات بالمقبولة ، إلّا أنّه قد يستبعد ذلك ؛ لورود تلك المطلقات في مقام الحاجة ، فلا بدّ من جعل المقبولة كاشفة عن قرينة متّصلة فهم منها الإمام عليهالسلام : أنّ مراد الراوي تساوي الروايتين من سائر الجهات ، كما يحمل إطلاق أخبار التخيير على ذلك.
______________________________________________________
٢٨٦٥. الواردة في الشبهات الحكميّة ، فتحمل رواية الاحتجاج أيضا على صورة التمكّن من العلم ، بل هي صريحة فيها.