الثالث : من جهة كونه صادقا في الواقع أو كاذبا. وهذا معنى حجّية خبر المسلم لغيره ، فمعنى حجّية خبره صدقه. والظاهر عدم الدليل على وجوب الحمل على الصحيح بهذا المعنى ، والظاهر عدم الخلاف في ذلك ؛ إذ لم يقل أحد بحجّية كلّ خبر صدر من مسلم ، ولا دليل يفي بعمومه عليه حتّى نرتكب دعوى خروج ما خرج بالدليل.
وربّما يتوهّم وجود الدليل العامّ من مثل الأخبار المتقدّمة الآمرة بوجوب حمل أمر المسلم على أحسنه ، وما دلّ على وجوب تصديق المؤمن وعدم اتّهامه عموما (٢٧١٧) ، وخصوصا قوله عليهالسلام : " إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم" ، وغير ذلك ممّا ذكرنا في بحث حجّية خبر الواحد ، وذكرنا عدم دلالتها. مع أنّه لو فرض دليل عامّ على حجّية خبر كلّ مسلم ، كان الخارج منه أكثر من الداخل (٢٧١٨) ؛ لقيام الإجماع على عدم اعتباره في الشهادات ولا في الروايات إلّا مع شروط خاصّة ، ولا في الحدسيّات والنظريّات إلّا في موارد خاصّة ، مثل الفتوى وشبهها (٢٧١٩).
نعم يمكن أن يدّعى : أنّ الأصل في خبر العدل الحجّية ؛ لجملة ممّا ذكرناه في
______________________________________________________
الخلاف في ذلك ، وبأوّلية شهر ، أو بإرث زيد من عمرو ، أو بكفره ، والصور كثيرة». إلى أن قال : «وبالجملة ، لا ينبغي للشاهد أن يرتّب الأحكام على أسبابها ، بل وظيفته أن ينقل ما سمعه منها من إقرار أو عقد بيع أو غيره ، أو ينقل ما رآه ، وإنّما ترتيب المسبّبات وظيفة الحاكم ، فالشاهد سفير ، والحاكم متصرّف» انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
وهذا خلاصة الكلام في تحقيق عموم اعتبار قول البيّنة. وقد تقدّم في تضاعيف الأدلّة ما يدلّ على كفاية الاثنين في الشهادة ، بحيث يكون هذا أصلا في الباب يدفع به احتمال اعتبار العدد الزائد عليهما في بعض الموارد ، وبعد إثبات كفاية الشاهدين ثبت اعتبار الزائد عليهما بالأولويّة. والله العالم بحقيقة الحال.
٢٧١٧. أي : في جميع أفعاله وأقواله.
٢٧١٨. متعلّق بقوله «خرج».
٢٧١٩. كقول الطبيب وإخبار المقوّم عن القيمة ونحوهما.