.................................................................................................
______________________________________________________
ثمّ إنّ ما ذكره من اختلاف رجحان أحد الخبرين على الآخر مشخّصا وصنفا ونوعا ممّا لا إشكال فيه. وكذا لا إشكال في ترتّبها متنازلا ، فيقدّم الراجح شخصا على الراجح نوعا أو صنفا ، وكذا الراجح صنفا على الراجح نوعا ، لكون الأوّل أقوى من الثاني ، وهو من الثالث. وحيث لم يندرج الأوّل تحت قاعدة وضابطة جعلوا الكلام في باب تعارض الأحوال في الأخيرين ، ولا بدّ مع رجحان أحد الدليلين من ارتكاب خلاف الأصل في الآخر ، بارتكاب التأويل فيه وصرفه عن ظاهره. وحصروا الامور المخالفة للأصل في خمسة : النسخ ، والإضمار ، والتخصيص ، والتقييد ، والتجوّز. وربّما يضاف إليها امور أخر إلّا أنها لا تخرج منها ، وما عدا الأخير وإن كان من أقسامه في وجه ، إلّا أنّهم أفردوا البحث عن كلّ واحد منه وخصّوه بالذكر ، لمزيد امتيازه من بين سائر المجازات.
ثمّ إنّه ربّما يدور الأمر بين المتجانسين منها ، بأن دار الأمر بين ارتكاب النسخ في هذا الدليل وذاك الدليل ، وهكذا. وربّما يدور الأمر بين المتخالفين منها ، بأن دار الأمر بين ارتكاب النسخ في هذا الدليل وبين ارتكاب أحد الأربعة الباقية في ذاك الدليل. وحينئذ يكون التعارض والدوران تارة وحدانيّا ، بأن دار الأمر بين ارتكاب أحدها في أحد الدليلين وواحد من الأربعة الباقية في الآخر ، واخرى ثنائيّا ، وثالثة ثلاثيّا ، ورابعة رباعيّا ، وخامسة خماسيّا ، وسادسة مختلفا. ويعبّر الاصوليّون عن هذا التعارض والدوران بتعارض الأحوال.
وأورد المصنّف رحمهالله من صور الاختلاف الوحداني مسائل ، ثمّ نبّه على تعارض المتجانسين ، ويظهر الكلام في الباقي ممّا حقّق به المقام. والمشهور ـ كما هو الأقوى ـ كون احتمال النسخ أخسّ من جميع الامور المذكورة ، والإضمار بالنسبة إلى ما عداه ، لقلّة الأوّل بالنسبة إلى الجميع ، والإضمار بالنسبة إليه. فحيث يدور الأمر بين الأوّل وأحد الأربعة الباقية ، أو بين الثاني وواحد ممّا عداه ، يقدّم ما عداهما عليهما ، لغلبته ورجحانه بالنسبة إليهما. وستقف على تتمّة الكلام فيهما وفي الباقي.