لم يثبت حجّيته إلّا إذا فهم من الخارج إرادته ، والفتوى والعمل به محتاج إلى مستند شرعي ، ومجرّد أولويّة الجمع غير صالح".
أقول ـ بعد ما ذكرنا من أنّ الدليل الدالّ على وجوب الجمع بين العامّ والخاصّ وشبهه بعينه جار فيما نحن فيه ، وليس الوجه في الجمع شيوع التخصيص ، بل المدار على احتمال موجود في أحد الدليلين مفقود في الآخر ، مع أنّ حمل ظاهر وجوب إعادة الوضوء على الاستحباب أيضا شايع على ما اعترف به سابقا. وليت شعري ما الذي أراد بقوله : تأويل كلامهم لم يثبت حجّيته إلّا إذا فهم من الخارج إرادته؟
فإن بنى على طرح ما دلّ على وجوب إعادة الوضوء وعدم البناء على أنّه كلامهم عليهمالسلام ، فأين كلامهم حتّى يمنع من تأويله إلّا بدليل؟! وهل هو إلّا طرح السند لأجل الفرار عن تأويله؟! وهو غير معقول (٢٨٩٤). وإن بنى على عدم طرحه وعلى التعبّد بصدوره ثمّ حمله على التقيّة ، فهذا أيضا قريب من الأوّل ؛ إذ لا دليل على وجوب التعبّد بخبر يتعيّن حمله على التقيّة على تقدير الصدور ، بل لا معنى لوجوب التعبّد به ؛ إذ لا أثر في العمل يترتّب عليه.
وبالجملة : إنّ الخبر الظنّيّ إذا دار الأمر بين طرح سنده وحمله وتأويله ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ المتعيّن تأويله ووجوب العمل على طبق التأويل ، ولا معنى لطرحه أو الحكم بصدوره تقيّة فرارا عن تأويله. وسيجيء زيادة توضيح ذلك إن شاء الله.
فلنرجع إلى ما كنّا فيه من بيان المرجّحات في الدلالة ، ومرجعها إلى ترجيح الأظهر على الظاهر (٢٨٩٥). والأظهريّة قد تكون بملاحظة خصوص المتعارضين من
______________________________________________________
٢٨٩٤. يعني : لم يظهر له وجه معقول لا أنّه ممتنع ، لأنّ الممتنع هو التأويل مع طرح السند ، لا طرح السند لئلّا يلزم التأويل على تقدير الأخذ به. ثمّ إنّ وجه عدم المعقوليّة هو تعيّن الأخذ بالسند وتأويل الدلالة على ما حقّق به المقام.
٢٨٩٥. لما تقدّم في كلام المصنّف رحمهالله من كون تقديم النصّ على الظاهر من باب الحكومة دون الترجيح.