الأمر بين أمرين في أحدهما ريب ليس في الآخر ذلك الريب يجب الأخذ به ، وليس المراد نفي مطلق الريب ، كما لا يخفى. وحينئذ فإذا فرض أحد المتعارضين منقولا باللفظ والآخر بالمعنى وجب الأخذ بالأوّل ؛ لأنّ احتمال الخطأ في النقل بالمعنى منفيّ فيه ، وكذا إذا كان أحدهما أعلى سندا لقلّة الوسائط ، إلى غير ذلك من المرجّحات النافية للاحتمال الغير المنفيّ في طرف المرجوح.
المقام الرابع في بيان المرجّحات. وهي على قسمين : أحدهما : ما يكون داخليّا ، وهي كلّ مزيّة غير مستقلّة في نفسها (٢٨٧٨) بل متقوّمة بما فيه. وثانيهما : ما يكون خارجيّا ، بأن يكون أمرا مستقلا بنفسه ولو لم يكن هناك خبر ، سواء كان معتبرا كالأصل والكتاب أو غير معتبر في نفسه كالشهرة ونحوها.
ثمّ المستقلّ إمّا أن يكون مؤثّرا في أقربيّة أحد الخبرين إلى الواقع كالكتاب والأصل بناء على إفادته الظنّ ، أو غير مؤثّر ككون الحرمة أولى بالأخذ من الوجوب والأصل بناء على كونه من باب التعبّد الظاهري. وجعل المستقلّ المعتبر مطلقا ، خصوصا (٢٨٧٩) ما لا يؤثّر في الخبر ـ من المرجّحات لا يخلو عن مسامحة.
______________________________________________________
٢٨٧٨. بمعنى عدم استقلاله في نفسه على تقدير اعتباره في الدلالة على حكم ، كصفات الراوي مثل الأعدليّة والأوثقيّة والأضبطيّة ونحوها ، وصفات السند مثل كونه عاليا أو متّصلا أو نحوهما ، أو صفات متن الرواية مثل الأفصحيّة ونحوها. وبالمقابلة يظهر معنى المرجّح الخارجي ، وهي كلّ مزيّة تدلّ بذاته على تقدير اعتبارها على حكم من الأحكام ، مثل الشهرة والكتاب والسنّة والأصل ونحوها.
فإن قلت : إنّ المرجّح هي موافقة الخبر لشيء منها ، وصفة الموافقة لا تثبت حكما.
قلت : المرجّح هو نفس الامور المذكورة من حيث موافقة الخبر لأحدها ، والمدّعى دلالة ذات هذه الامور كما لا يخفى.
٢٨٧٩. يعني : في اصطلاح العلماء ، لا في جعل الشارع ووضعه وحكمه بالأخذ بموافقه ، إذ لا شكّ في وقوعه شرعا وعدم المسامحة في حكمه ، ولا في تسميته مرجّحا بحسب الشرع ، إذ ليس من التسمية في الأخبار عين ولا أثر.