أمّا الداخليّ ، فهو على أقسام ؛ لأنّه : إمّا أن يكون راجعا إلى الصدور ، فيفيد المرجّح كون الخبر أقرب إلى الصدور وأبعد عن الكذب ، سواء كان راجعا إلى سنده كصفات الراوي أو إلى متنه كالأفصحيّة. وهذا لا يكون إلّا في أخبار الآحاد. وإمّا أن يكون راجعا إلى وجه الصدور ، ككون أحدهما مخالفا للعامّة أو لعمل سلطان الجور أو قاضي الجور ، بناء على احتمال كون (٢٨٨٠) مثل هذا الخبر صادرا لأجل التقيّة.
وإمّا أن يكون راجعا إلى مضمونه ، كالمنقول باللفظ بالنسبة إلى المنقول بالمعنى ؛ إذ يحتمل الاشتباه في التعبير ، فيكون مضمون المنقول باللفظ أقرب إلى الواقع ، وكمخالفة العامّة بناء على أنّ الوجه في الترجيح بها ما في أكثر الروايات : من" أنّ خلافهم أقرب إلى الحقّ" ، وكالترجيح بشهرة الرواية (٢٨٨١) ونحوها.
وهذه الأنواع الثلاثة كلّها متأخّرة عن الترجيح باعتبار قوّة الدلالة ، فإنّ الأقوى دلالة مقدّم على ما كان أصحّ سندا وموافقا للكتاب ومشهور الرواية بين الأصحاب ؛ لأنّ صفات الرواية لا تزيده على المتواتر ، وموافقة الكتاب لا تجعله أعلى من الكتاب ، وقد تقرّر في محلّه تخصيص الكتاب والمتواتر بأخبار الآحاد.
______________________________________________________
وأمّا وجه المسامحة ، فإنّ المرجّح الخارجي المعتبر مستقلّ بإثبات الحكم ، سواء رجح به أحد الخبرين أم لا. والمتبادر من المرجّح في كلمات العلماء ما كان محدثا لمزيّة ورجحان في الخبر الموافق له ، من دون أن يكون هو مستقلّا بإفادة الحكم. ومنه يظهر أنّ المسامحة في جعل المعتبر الذي لا يؤثّر في الخبر أشدّ وآكد ، لفرض عدم موافقته للخبر في المرتبة ، لكون اعتبار الخبر من باب الكشف والطريقيّة ، واعتبار الأصل مثلا من باب التعبّد ، ولذا لا يؤثّر في رجحانه.
٢٨٨٠. احترز به عن كون مخالفة العامّة من المرجّحات المضمونيّة.
٢٨٨١. كونها من المرجّحات المضمونيّة إنّما هو مبنيّ على ما سيجيء في بيان المرجّحات الخارجة من كشفها عن شهرة العمل أو اشتهار الفتوى على طبق الرواية وإن لم يكن استناد المفتين إليها ، وإلّا فهي من المرجّحات الصدوريّة.