المقبول على الطرح ، وبعد ما ذكرنا من أنّ الترجيح بالأعدليّة وأخواتها إنّما هو بين الحكمين مع قطع النظر عن ملاحظة مستندهما ـ : هو أنّ الترجيح اوّلا بالشهرة والشذوذ ، ثمّ بالأعدليّة والأوثقيّة ، ثمّ بمخالفة العامّة ، ثمّ بمخالفة ميل الحكّام. وأمّا الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة فهو من باب اعتضاد أحد الخبرين بدليل قطعيّ الصدور ، ولا إشكال في وجوب الأخذ به وكذا الترجيح بموافقة الأصل.
ولأجل ما ذكر لم يذكر (٢٨٦٧) ثقة الإسلام رضوان الله عليه في مقام الترجيح في ديباجة الكافي سوى ما ذكر ، فقال : اعلم يا أخي أرشدك الله ، أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه من العلماء عليهمالسلام برأيه ، إلّا على ما أطلقه العالم عليهالسلام بقوله : " اعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله عزوجل فردّوه" ، وقوله عليهالسلام : " دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم" ، وقوله عليهالسلام : " خذوا بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه". ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليهالسلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله : " بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم" (١٧) ، انتهى.
ولعلّه ترك الترجيح بالأعدليّة والأوثقيّة ؛ لأنّ الترجيح بذلك مركوز في أذهان الناس ، غير محتاج إلى التوقيف. وحكي عن بعض الأخباريين أنّ وجه إهمال هذا المرجّح كون أخبار كتابه كلّها صحيحة (٢٨٦٨).
______________________________________________________
٢٨٦٧. أي : لأجل ما ذكرنا من أنّ المستفاد من مجموع الأخبار هو الترجيح بالمرجّحات المنصوصة من الشهرة وما بعدها.
٢٨٦٨. إن أراد بالصحّة الصحّة بالمعنى المصطلح عند القدماء فلا وجه لإهمال المرجّح المذكور. وإن أراد بها كون أخبار الكافي قطعيّة الصدور ، كما هو المناسب لطريقة الأخباريّ ، فلا وجه حينئذ للترجيح بالشهرة. اللهمّ إلّا أن يريد الأوّل وادّعى تساوي رواة أخبار الكافي في العدالة ، وفيه ما لا يخفى.