وقوله : " ولا نعلم من ذلك إلّا أقلّه" ، إشارة إلى أنّ العلم بمخالفة الرواية للعامّة في زمن صدورها أو كونها مجمعا عليها قليل ، والتعويل على الظنّ بذلك عار عن الدليل. وقوله : " لا نجد شيئا أحوط ولا أوسع ..." ، أمّا أوسعيّة التخيير فواضح ، وأمّا وجه كونه أحوط ، مع أنّ الأحوط التوقّف والاحتياط في العمل ، فلا يبعد أن يكون من جهة أنّ في ذلك ترك العمل بالظنون التي لم يثبت الترجيح بها ، والإفتاء بكون مضمونها هو حكم الله لا غير ، وتقييد إطلاقات التخيير والتوسعة من دون نصّ مقيّد ، ولذا طعن غير واحد من الأخباريين على رؤساء المذهب مثل المحقّق والعلّامة بأنّهم يعتمدون في الترجيحات على امور اعتمدها العامّة في كتبهم ممّا ليس في النصوص منه عين ولا أثر.
قال المحدّث البحراني قدسسره في هذا المقام من مقدّمات الحدائق : إنّه قد ذكر علماء الاصول من الترجيحات في هذا المقام ما لا يرجع أكثرها إلى محصول ، والمعتمد عندنا ما ورد من أهل بيت الرسول صلىاللهعليهوآله من الأخبار المشتملة على وجوه الترجيحات (١٨) ، انتهى.
أقول : قد عرفت أنّ الأصل ـ بعد ورود التكليف الشرعي بالعمل بأحد المتعارضين ـ هو العمل بما يحتمل أن يكون مرجّحا في نظر الشارع ؛ لأنّ جواز العمل بالمرجوح مشكوك حينئذ.
نعم ، لو كان المرجع بعد التكافؤ هو التوقّف والاحتياط ، كان الأصل عدم الترجيح إلّا بما علم كونه مرجّحا ، لكن عرفت أنّ المختار (٢٨٦٩) مع التكافؤ هو
______________________________________________________
٢٨٦٩. حاصله : أنّك قد عرفت في المقام الأوّل أنّ المختار في المتكافئين هو التخيير الثابت بالأخبار ، وقد تقدّم أيضا في المقام الثاني أنّ القدر المتيقّن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين وعدم اشتمال أحدهما على مزيّة أصلا ، فيكون الأصل في صورة اشتمال أحدهما على مزيّة غير منصوصة هو الترجيح بها ، نظرا إلى الدليل الذي ذكره في المقام الثاني ، وهنا أيضا بقوله «لأنّ وجوب العمل بالمرجوح ...».