الأحكام الشرعيّة لا ترتكب في واقعة واحدة ؛ لأنّ الحقّ فيها للشارع ولا يرضى بالمعصية القطعيّة مقدّمة للعلم بالإطاعة ، فيجب اختيار أحدهما وطرح الآخر ، بخلاف حقوق الناس ، فإنّ الحق فيها لمتعدّد ، فالعمل بالبعض في كلّ منهما جمع بين الحقّين من غير ترجيح لأحدهما على الآخر بالدواعي النفسانيّة ، فهو أولى من الإهمال الكلّي لأحدهما وتفويض تعيين ذلك إلى اختيار الحاكم ودواعيه النفسانية الغير المنضبطة في الموارد. ولأجل هذا يعدّ الجمع بهذا النحو مصالحة بين الخصمين عند العرف ، وقد وقع التعبّد به في بعض النصوص أيضا. فظهر ممّا ذكرنا أنّ الجمع في أدلّة الأحكام بالنحو المتقدّم من تأويل كليهما لا أولويّة له أصلا على طرح أحدهما والأخذ بالآخر ، بل الأمر بالعكس.
وأمّا الجمع بين البيّنات في حقوق الناس ، فهو وإن كان لا أولويّة فيه على طرح أحدهما بحسب أدلّة حجّية البيّنة ؛ لأنّها تدلّ على وجوب الأخذ بكلّ منهما في تمام مضمونه ، فلا فرق في مخالفتها (*) بين الأخذ لا بكلّ منهما بل بأحدهما ، أو بكلّ منهما لا في تمام مضمونه بل في بعضه ، إلّا أنّ ما ذكرناه من الاعتبار لعلّه يكون مرجّحا للثاني على الأوّل.
ويؤيده : ورود الأمر بالجمع بين الحقّين بهذا النحو في رواية السكوني المعمول بها فيمن أودعه رجل درهمين وآخر درهما ، فامتزجا بغير تفريط وتلف أحدها. هذا ، ولكنّ الإنصاف : أنّ الأصل في موارد تعارض البيّنات وشبهها هي القرعة. نعم ، يبقى الكلام في كون القرعة مرجّحة للبيّنة المطابقة لها أو مرجعا بعد تساقط البيّنتين.
وكذا الكلام في عموم موارد القرعة أو اختصاصها بما لا يكون هناك أصل عملي ـ كأصالة الطهارة ـ مع إحدى البيّنتين. وللكلام مورد آخر (٢٨٠٢).
______________________________________________________
٢٨٠٢. قد تقدّم بعض الكلام في ذلك في مبحث الاستصحاب عند بيان ما يتعلّق بتعارضها مع الاستصحاب ، فراجع.
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «مخالفتها» ، مخالفتهما.