.................................................................................................
______________________________________________________
والفرق بين الوجهين أنّ العقل في الثاني إنّما يحكم بالتخيير مع عدم موافقة شيء من الخبرين للأصل ، وإلّا فيرجّح الجانب الموافق للأصل ، سواء قلنا بكون الأصل مرجّحا أم مرجعا على ما سيأتي ، بخلاف الأوّل ، لأنّ التخيير الشرعيّ مقدّم على الأصل ، لثبوته بحكم الشارع ، فيكون حاكما على الأصل ، بخلاف التخيير العقلي ، إذ الأصل حاكم على حكم العقل كما هو واضح.
فإن قلت : كيف يرجع إلى الأصل ولا مجرى له في مورد الأدلّة الاجتهاديّة ، وافقته أو خالفته؟ لورودها أو حكومتها عليه ، إذ ما هو حقّ في الواقع من الخبرين المفروض حقيّة أحدهما وبطلان الآخر رافع لموضوع الأصل ، سواء كان موافقا له أم مخالفا له ، لأنّ الكلام على فرض عدم تساقطهما.
قلت : إنّ الدليل إنّما يحكم على الأصل مع تلبّسه بلباس البيانيّة فعلا. وبعبارة اخرى : أنّ الشكّ المأخوذ في موضوع الأصل إنّما يرتفع بالدليل الاجتهادي حقيقة أو حكما إذا كان الدليل مبيّنا لحكم المشكوك فيه بحيث يجب الأخذ بمقتضاه ، والخبران المتعارضان لأجل تمانعهما وتزاحمهما قد خرج كلّ منهما من وصف البيانيّة الفعليّة ، فلا يصلح شيء منهما لرفع موضوع الأصل.
فإن قلت : سلّمنا لكنّ العمل بهذا الأصل مخالف للواقع يقينا ، لأنّ المجعول في الواقع مدلول أحد الخبرين ، لفرض كون أحدهما حقّا في الواقع فمقتضاه هو الحكم الواقعي ولو بتنزيل الشارع ، ومقتضى الأصل يخالف مقتضى كلا الخبرين ، لأنّ مقتضى كلّ منهما إذا لوحظ في نفسه هو الحكم الواقعي ولو بتنزيل الشارع ، من دون مدخليّة للعلم والجهل في موضوع حكمهما ، بخلاف الأصل ، لأنّ مقتضاه ثبوت الحكم في الموضوع المشتبه من حيث كونه مشتبها ، فما كان هو الحقّ من الخبرين يخالف مقتضاه مقتضى الأصل.
قلت : إنّ العلم الإجمالي إنّما يمنع جريان الاصول مع استلزامه للمخالفة العمليّة لا مطلقا ، ومقتضى الأصل ليس بمخالف لمؤدّى كلا الخبرين في مقام العمل ،