من دون الله والمؤمنين لافاد ذلك الفائدة مع الاختصار لكن المقصود كمال المبالغة فى البعد عن ولاية الله (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) استثناء مفرغ منصوب على الظرفية وهو من حيث المعنى متعلق بكلا الجملتين السابقتين ومن حيث اللفظ بإحداهما مقدرا للاخرى كما هو داب التنازع يعنى لا يجوز موالاة الكفار فى شىء من الأوقات الا وقت ان تتقوا منهم ومن يفعل ذلك ليس هو من اولياء الله فى شىء من الأوقات الا وقت الاتقاء ـ والاتقاء افتعال من الوقاية يعنى وقاية نفسه من شرهم ويلزمه الخوف ولاجل ذلك قيل معناه الا ان تخافوا (مِنْهُمْ تُقاةً) كذا قرا الجمهور وقرا مجاهد ويعقوب تقيّة على وزن فعيلة وعلى التقديرين مصدر من غير باب الفعل يقال توقيته تقاة وتقى وتقية وتقوى وإذا قلت اتقيت كان مصدره اتقاء ثم المصدر جاز ان يكون بمعناه ويكون منصوبا على المصدرية والمعنى لا يجوز موالاة الكفار فى شىء من الأوقات الا وقت ان تتقوا أنفسكم منهم اى من شرهم تقاة وجاز ان يكون بمعنى المفعول فالمعنى الا وقت ان تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه ومقتضى الاستثناء اباحة موالاتهم وقت الخوف من شرهم ـ ولا شك ان الضروري يتقدر بقدر الضرورة فلا يجوز حينئذ الا اظهار الموالاة دون ابطانها ولا يجوز حينئذ ان يستحل دما حراما او مالا حراما او ارتكاب معصية او يظهر الكفار على عورات المسلمين او يطلعهم على اسرار المؤمنين ـ وأنكر قوم التقية بعد ظهور الإسلام قال معاذ بن جبل كانت التقية فى جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة الإسلام فاما اليوم فليس ينبغى لاهل الإسلام ان يتقوا من عدوهم ـ ثم بالغ سبحانه فى المنع عن ولاية الكفار وزاد على نفى ولاية المؤمنين ونفى ولاية الله عمن تولى بالكفار بالوعيد فقال (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) اى يخوفكم سخطه وعقابه فى موالاة الكفار وذكر النفس ليعلم ان المحذر منه عقاب يصدر منه تعالى فلا يبالى بما يخاف أحدكم من الكفار فهذا وعيد شديد مشعر بتناهي المنهي فى القبح (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨) اى مصيركم اليه تعالى لا تقوتونه وهذا وعيد اخر. (قُلْ) يا محمد (إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) اى قلوبكم من مودة الكفار وغيرها (أَوْ تُبْدُوهُ) قولا او فعلا (يَعْلَمْهُ اللهُ) لا يخفى عليه شىء والغرض من الكلام تسوية المبدى والمخفي بالنسبة الى علم الله تعالى والا فالعلم بالمخفي يقتصى العلم بالمبدى بالطريق الاولى فلا حاجة الى ذكره او تبدوه (وَيَعْلَمُ ما فِي