هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) اى برد شديد كذا فى القاموس وحكى عن ابن عباس انها السموم الحارة التي تقتل (أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والمعاصي (فَأَهْلَكَتْهُ) يعنى كما ان الريح المذكور تهلك الحرث كذلك انفاق الكفار أموالهم تهلكهم باستجلاب الانفاق عذاب الله إليهم او باستيصال أموالهم بلا منفعة فى الدنيا ولا فى الاخرة ـ وجاز ان يكون ما فى ما ينفقون موصولة والتشبيه مركبا أريد تشبيه القصة بالقصة ولذلك لم يبال بإدخال كلمة التشبيه على الريح دون الحرث ويجوز ان يراد تشبيه المال الذي أنفقوه وضيعوه بالحرث المذكور ويقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بذلك (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١١٧) بارتكاب انفاق أموالهم لا على وجه يفيدهم عند الله تعالى او بارتكاب ما استحق به اهل الحرث العقوبة ـ اخرج ابن جرير وابن إسحاق عن ابن عباس قال كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من الجوار والحلف فى الجاهلية فانزل الله تعالى. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) البطانة السريرة ويقال الصاحب الذي يعرّفه الرجل أسراره ثقة به (مِنْ دُونِكُمْ) اى من دون المسلمين اى من هو ادنى منكم رتبة وأسفل فيه نعت للمسلمين بانهم هم الأعلون فى الدنيا والاخرة وارشاد على طلب الأعالي للمصاحبة دون الأداني فان العزلة خير من الجليس السوء والجليس الصالح خير من العزلة ـ وصيغة من دونكم يشتمل اهل الأهواء ايضا من الروافض والخوارج وغيرهم فلا يجوز مباطنتهم كما لا يجوز مباطنة الكفار وقوله من دونكم متعلق بقوله لا تتخذوا او ظرف مستقر صفة لبطانة اى لا تتخذوا من دون المسلمين بطانة او بطانة كائنة من دونهم (لا يَأْلُونَكُمْ) اى لا يقصرون اى من هو على غير دينكم لكم (خَبالاً) شرا وفسادا بل يبذلون جهدهم فيما يورثكم شرا وفسادا منصوب على انه مفعول ثان للايألونكم على تضمين معنى المنع او النقص او منصوب بنزع الخافض اى لا يألونكم فى الخبال (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) ما مصدرية اى تمنوا شدة الضر والمشقة بكم (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) حيث لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم فيقولون فيكم ما يسوءكم بلا اختيار وقصد (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ) من البغضاء (أَكْبَرُ) مما يبدون لانهم