جاءت السنّة الشريفة لتؤكد الأمر الثالث وهو الاسترقاق.
والواجب في مدّة بقاء الأسير ليس هو إطعامه فقط ، بل الرفق به والاحسان.
وما قد يقال من أن مسألة استرقاق الأسير تتنافى وسماحة الإسلام ومثله وقيمه الإنسانية النبيلة ، فالجواب من وجهين :
الوجه الأول : ان العرف السائد بين جميع الأمم في ذلك الحين هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم أو اطلاقهم بفداء ، وقد حصل هذا فعلاً لعشرات المسلمين الذين وقعوا أسرى بيد العدو في سائر المعارك الدفاعية التي خاضها المسلمون. فضلاً عما كان يجري يومئذ من انتهاك أعراض النساء وقتل الأطفال وحرق البيوت وما شابه ذلك من أفعال همجية وتخريبية قد رفضها الإسلام بشدة في سلوكه وآدابه الحربية.
ولما لم يكن من أدب الإسلام معاملة العدو بالمثل في مثل هذه الأفعال ، فإنه ليس من المعقول أن يشجع عدوّه عليه في موضوع الأسرى فيطلقهم وهو يرى كيف يسترق العدو أسرى المسلمين ويسيء معاملتهم جداً ، فضلاً عن اخضاعهم للتعذيب الجسدي ، وقد حفظ لنا التاريخ أسماء بعض الصحابة الذين اُسروا وماتوا تحت التعذيب.
فمسألة الاسترقاق ضرورة لازمة ما دام العدو مصرّاً عليها ، علماً بأن انحسار الاسترقاق تدريجياً في الإسلام ، ثمّ محوه بشكل كامل ناتج عن تشجيع الدين الإسلامي لمعتنقيه ، كما هو واضح في كثير من تشريعاته الفقهية على إنهاء الاسترقاق ، وأما اتفاق الدول والأمم في العصور المتأخرة على محو هذه الظاهرة فقد جاء متأخراً بالقياس إلى محوها في الإسلام.