وقد قيل : إنّ تدوين الحديث من المستحدثات في المائة الثانية من الهجرة ، وقيل : المراد الحراسة عن الاندراس بما يعمُّ الحفظ عن ظهر القلب والكتابة والنقل من الناس ولو من كتاب وأمثال ذلك ، وقيل : المراد تحمّله على أحد الوجوه المقرّرة الّتي سيأتي ذكرها في باب آداب الرواية . والحقّ أنّ للحفظ مراتب يختلف الثواب بحسبها فأحدها : حفظ لفظها سواء كان في الخاطر أو في الدفاتر وتصحيح لفظها واستجازتها وإجازتها و روايتها . وثانيها : حفظ معانيها والتفكّر في دقائقها واستنباط الحكم والمعارف منها . و ثالثها : حفظها بالعمل بها والإعتناء بشأنها والاتّعاظ بمودعها ويؤمي إليه خبر السكوني . (١) وفي رواية « من حفظ على اُمَّتي » (٢) الظاهر أنّ « على » بمعنى « اللّام » أي حفظ لأجلهم كما قالوه في قوله : وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ . أي لأجل هدايته إيّاكم ، و يحتمل أن يكون بمعنى « من » كما قيل في قوله تعالى : إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . ويؤيّده رواية المروزيّ (٣) وأضرابها . والحديث في للّغة يرادف الكلام سمّي به لأنّه يحدث شيئاً فشيئاً ، وفي اصطلاح عامّة المحدّثين : كلام خاصٌّ منقول عن النبيّ أو الإمام أو الصحابيّ ، أو التابعيّ (٤) ، أو من يحذو حذوه يحكي قولهم أو فعلهم أو تقريرهم ، وعند أكثر محدّثي الإماميّة لا يطلق إسم الحديث إلّا على ما كان عن المعصوم عليهالسلام ، و ظاهر أكثر الأخبار تخصيص الأربعين بما يتعلّق باُمور الدين من اُصول العقائد والعبادات القلبيّة والبدنيّة ، لا ما يعمّها وسائر المسائل من المعاملات والأحكام . بل يظهر من بعضها كون تلك الأربعين جامعةً لاُمّهات العقائد والعبادات والخصال الكريمة و والأفعال الحسنة ، فيكون المراد ببعثه فقيهاً عالماً أن يوفّقه الله لأن يصير بالتدبّر في هذه الأحاديث والعمل بها لله من الفقهاء العالمين العاملين ، وعلى سائر الاحتمالات يكون
________________________
(١) المتقدم تحت الرقم ٧ .
(٢) هي الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة ٩ .
(٣) وهي الرواية الثالثة ، وبمعناها الروايات السابقة عليها واللاحقة بها .
(٤) الصحابي : من لقى النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا به ومات على الايمان والاسلام ، وفيه أقوال اخرى يطلب من مظانها . والتابعي : من لقى الصحابي مومنا بالنبي صلى الله عليه وآله ومات على الايمان والاسلام .