القاضي ، عن أميرالمؤمنين عليهالسلام في خطبة طويلة قال : اسمع يا ذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ والتعريف ، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال والحباء والنكال ، يوم تقلب إليه أعمال الانام ، وتحصى فيه جميع الآثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وتفرق من كل نفس وجيبها ، (١) ويحار في تلك الاهوال عقل لبيبها ، إذ نكرت الارض بعد حسن عمارتها ، وتبدلت بالخلف بعد أنيق زهرتها ، أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، ونفضت إلى الله أحمالها ، يوم لا ينفع الحذر إذ عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا ، فانشقت القبور بعد طول انطباقها ، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها ، كشف عن الآخرة غطاؤها ، فظهر للخلق أنباؤها ، فدكت الارض دكا دكا ، ومدت لامر يراد بهامدا مدا ، واشتد المبادرون(٢) إلى الله شدا شدا ، وتزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا (٣) ورد المجرمون على الاعقاب ردا ردا ، وجد الامر ويحك يا إنسان جدا جدا ، وقربوا للحساب فردا فردا ، وجاء ربك والملك صفا صفا ، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا ، وجيئ بهم عراة الابدان ، خشعا أبصارهم ، أمامهم الحساب ، ومن ورائهم جهنم يسمعون زفيرها ويرون سعيرها ، فلم يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذل ، فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر يساقون سوقا ، فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب ، والعباد على الصراط وجلت قلوبهم يظنون أنهم لا يسلمون ، ولا يؤذن لهم فيتكلمون ، ولا يقبل منهم فيعتذورن ، قد ختم على أفواهم ، واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، يا لها من ساعة ما أشجى مواقعها من القلوب حين ميز بين الفريقين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، من مثل هذا فليهرب الهاربون ، إذا كانت الدار الآخرة لها فليعمل العاملون. « ص ٥٥ ـ ٥٦ »
____________________
(١) في المصدر : ويفرق بين كل نفس وحبيبها. م
(٢) في المصدر : واشتد المثارون اه. م
(٣) زحف : دب على مقعدته أو على ركبتيه قليلا قليلا ، زحف اليه : مشى
، يقال : زحف العسكر إلى العدو : إذا مشوا اليهم في ثقل لكثرتهم. تزاحف القوم : زحف بعضهم إلى بعض
وتدانوا.