سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ » الفجر ـ ١٤ ، الى غير ذلك من الآيات .
وأما أن الملك ( بالضم ) من ضروريات المجتمع الإنساني فيكفي في بيانه أتم بيان قوله تعالى بعد سرد قصة طالوت : « وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ » البقرة ـ ٢٥١ ، وقد مر بيان كيفية دلالة الآية بوجه عام .
وفي القرآن آيات كثيرة تتعرض للملك والولاية وافتراض الطاعة ونحو ذلك ، واخرى تعده نعمة وموهبة كقوله تعالى : « وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا » النساء ـ ٥٤ ، وقوله تعالى : « وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ » المائدة ـ ٢٠ ، وقوله تعالى : « وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ » البقرة ـ ٢٤٧ ، الى غير ذلك من الآيات .
غير أن القرآن إنما يعده كرامة إذا اجتمع مع التقوى لحصره الكرامة على التقوى من بين جميع ما ربما يتخيل فيه شيء من الكرامة من مزايا الحيوة ، قال تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » الحجرات ـ ١٣ ، والتقوى حسابه على الله ليس لأحد أن يستعلي به على أحد فلا فخر لأحد على أحد بشيء لأنه إن كان أمراً دنيوياً فلا مزية لأمر دنيوي ، ولا قدر إلا للدين ، وإن كان أمراً اخروياً فأمره الى الله سبحانه ، وعلى الجملة لا يبقى للإنسان المتلبس بهذه النعمة أعني الملك في نظر رجل مسلم إلا تحمل الجهد ومشقة التقلد والإعباء نعم له عند ربه عظيم الأجر ومزيد الثواب إن لازم صراط العدل والتقوى .
وهذا هو روح السيرة الصالحة التي لازمها أولياء الدين ، وسنشبع إن شاء الله العزيز هذا المعنى في بحث مستقل في سيرة رسول الله صلی الله عليه وآله والطاهرين من آله الثابتة بالآثار الصحيحة ، وأنهم لم ينالوا من ملكهم إلا أن يثوروا على الجبابرة في فسادهم في الأرض ، ويعارضوهم في طغيانهم واستكبارهم .
ولذلك لم يدع القرآن الناس الى الاجتماع على تأسيس الملك ، وتشييد بنيان القيصرية والكسروية ، وإنما تلقى الملك شأناً من الشئون اللازمة المراعاة في المجتمع الإنساني نظير التعليم أو إعداد القوة لإرهاب الكفار .
بل إنما دعا الناس الى الاجتماع والاتحاد
والاتفاق على الدين ، ونهاهم عن