على أن الوثنية من الروم ويونان ومصر وسورية والهند كانوا أقرب إلى أهل الكتاب القاطنين بفلسطين وحواليه ، وانتقال العقائد والمزاعم الدينية إليهم منهم أسهل ، والأسباب بذلك أوفق .
فليس المراد بالذين كفروا الذين ضاهاهم أهل الكتاب في القول بالبنوة إلا قدماء وثنية الهند والصين ووثنية الغرب من الروم ويونان وشمال إفريقا كما أن التاريخ يحكي عنهم نظائر هذه المزاعم الموجودة في أهل الكتاب من اليهود والنصارى من البنوة والابوة والتثليث وحديث الصلب والفداء وغير ذلك ، وهذا من الحقائق التاريخية التي ينبه عليها القرآن الشريف .
ونظير الآيات السابقة في الدلالة على هذه الحقيقة قوله تعالى : « قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ » المائدة ـ ٧٧ ، فإن الآية تبين أن غلوهم في الدين بغير الحق إنما طرء عليهم بالتقليد واتباع أهواء قوم ضالين من قبلهم .
وليس المراد بهؤلاء القوم أحبارهم ورهبانهم ، فإن الكلام مطلق غير مقيد ولم يقل : قوم منكم ، وأضلوا كثيراً منكم ، وليس المراد بهم عرب الجاهلية كما تقدم ، على أنه وصف هؤلاء القوم بأنهم أضلوا كثيراً أي كانوا أئمة ضلال مقلدين متبعين ( بصيغة المفعول فيهما ) ولم يكن العرب يومئذ إلا شرذمة مضطهدين اميين ليس عندهم من العلم والحضاره والتقدم ما يتبعهم به وفيه غيرهم من الامم كفارس والروم والهند وغيرهم .
فليس المراد بهؤلاء القوم المذكورين إلا وثنية الصين والهند والغرب كما تقدم .
٧ ـ ما هو الكتاب الذي ينتسب اليه أهل الكتاب وكيف هو ؟
الرواية وإن عدت المجوس من أهل الكتاب ، ولازم ذلك أن يكون لهم كتاب خاص أو ينتموا إلى واحد من الكتب التي يذكرها القرآن ككتاب نوح ، وصحف إبراهيم ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وزبور داود ، لكن القرآن لا يذكر شأنهم ، ولا يذكر كتاباً لهم ، والذي عندهم من « أوستا » لا ذكر منه فيه ، وليس عندهم من سائر الكتب اسم .