( بيان )
قوله تعالى : إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ؛ النذر إيجاب الإنسان على نفسه ما ليس بواجب . والتحرير هو الإطلاق عن وثاق ، ومنه تحرير العبد عن الرقية ، وتحرير الكتاب كأنه إطلاق للمعاني عن محفظة الذهن والفكر . والتقبل هو القبول عن رغبة ورضى كتقبل الهدية وتقبل الدعاء ونحو ذلك .
وفي قوله : قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني ، دلالة على أنها إنما قالت هذا القول حينما كانت حاملاً ، وأن حملها كان من عمران ، ولا يخلو الكلام من إشعار بأن زوجها عمران لم يكن حياً عندئذ وإلا لم يكن لها أن تستقل بتحرير ما في بطنها هذا الاستقلال كما يدل عليه أيضاً ما سيأتي من قوله تعالى : « وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ الآية » آل عمران ـ ٤٤ ؛ على ما سيجيء من البيان .
ومن المعلوم أن تحرير الأب أو الام للولد ليس تحريراً عن الرقية وإنما هو تحرير عن قيد الولاية التي للوالدين على الولد من حيث تربيته واستعماله في مقاصدهما وافتراض طاعتهما فبالتحرير يخرج من تسلط أبويه عليه في استخدامه ، وإذا كان التحرير منذوراً لله سبحانه يدخل في ولاية الله يعبده ويخدمه ؛ أي يخدم في البيع والكنائس والأماكن المختصة بعبادته تعالى في زمان كان فيه تحت ولاية الأبوين لولا التحرير ؛ وقد قيل : إنهم كانوا يحررون الولد لله فكان الأبوان لا يستعملانه في منافعهما : ولا يصرفانه في حوائجهما بل كان يجعل في الكنيسة يكنسها ويخدمها لا يبرح حتى يبلغ الحلم ثم يخير بين الإقامة والرواح فإن أحب أن يقيم أقام ، وإن أحب الرواح ذهب لشأنه .
وفي الكلام دلالة على أنها كانت تعتقد أن ما في بطنها ذكر لا اناث حيث إنها تناجي ربها عن جزم وقطع من غير اشتراط وتعليق حيث تقول : نذرت لك ما في بطني محرراً من غير أن تقول مثلاً إن كان ذكراً ونحو ذلك .
وليس تذكير قوله : محرراً ، من جهة كونه
حالا عن ما الموصولة التي يستوي فيه المذكر والمؤنث إذ لو كانت نذرت تحرير ما في بطنها سواء كان ذكراً أو انثى لم