وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا » البقرة ـ ٢٦٩ ، ومن الواضح أن هذه هي الخواطر الواردة على القلوب ، نسبت إلى الشيطان ، وسميت بالأمر والقول والوسوسة والوحي والوعد ، وجميعها قول وكلام ولم تخرج عن شق فم ولا تحريك لسان .
ومن هنا يعلم : أن ما تشتمل عليه الآية الأخيرة من وعده تعالى بالمغفرة والفضل قبال وعد الشيطان هو الكلام الملكي في قبال الوسوسة من الشيطان ، وقد سماه تعالى الحكمة ، ومثلها قوله تعالى : « وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ » الحديد ـ ٢٨ ، وقوله : « هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » الفتح ـ ٤ ؛ وقد مر بيانها في الكلام على السكينة في ذيل قوله تعالى : « فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ » البقرة ـ ٢٤٨ ؛ وكذا قوله : « فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ » الأنعام ـ ١٢٥ ، وقد سمى الوسوسة رجزاً فقال : « رِجْزَ الشَّيْطَانِ » الأنفال ـ ١١ ، فمن جميع ذلك يظهر أن الشياطين والملائكة يكلمون الإنسان بإلقاء المعاني في قلبه .
وهنا قسم آخر من التكليم يختص به تعالى كما ذكره بقوله : « وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ الآية » الشورى ـ ٥١ ، فسماه تكليماً وقسمه إلى الوحي ، وهو الذي لا حجاب فيه بينه وبين العبد المكلم ، وإلى التكليم من وراء حجاب ، هذه أقسام من الكلام لله سبحانه وللملائكة والشياطين .
أما كلام الله سبحانه المسمى بالوحي فهو متميز متعين بذاته فإن الله سبحانه ألقى التقابل بينه وبين التكليم من وراء حجاب فهو تكليم حيث لا حجاب بين الإنسان وبين ربه ، ومن المحال أن يقع هناك لبس ؛ وهو ظاهر ، وأما غيره فيحتاج إلى تسديد ينتهي إلى الوحي .
وأما الكلام الملكي والشيطاني فالآيات المذكورة
آنفاً تكفي في التمييز بينها فإن الخاطر الملكي يصاحب انشراح الصدر ، ويدعو إلى المغفرة والفضل ، وينتهي بالأخرة إلى ما يطابق دين الله المبين في كتابه وسنة نبيه ، والخاطر الشيطاني يلازم