تفيد معنى كون الشيء بحيث يمنع ورود ما يفسده أو يبعضه أو يخل أمره عليه ، ومنه الإحكام والتحكيم ، والحكم بمعنى القضاء ، والحكمة بمعنى المعرفة التامة والعلم الجازم النافع ، والحكمة بفتح الحاء لزمام الفرس ، ففى الجميع شيء من معنى المنع والإتقان ، وربما قيل : إن المادة تدل على معنى المنع مع إصلاح .
والمراد ههنا من إحكام المحكمات إتقان هذه الآيات من حيث عدم وجود التشابه فيها كالمتشابهات ، فإنه تعالى وإن وصف كتابه بإحكام الآيات في قوله : « كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ » هود ـ ١ ، لكن اشتمال الآية على ذكر التفصيل بعد الإحكام دليل على أن المراد بالإحكام حال من حالات الكتاب كان عليها قبل النزول وهي كونه واحداً لم يطرأ عليه التجزي والتبعض بعد بتكثر الآيات ، فهو إتقانه قبل وجود التبعض ، فهذا الإحكام وصف لتمام الكتاب ، بخلاف وصف الإحكام والإتقان الذي لبعض آياته بالنسبة إلى بعض آخر من جهة امتناعها عن التشابه في المراد .
وبعبارة اخرى لما كان قوله : منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأُخر متشابهات مشتملاً على تقسيم آيات الكتاب إلى قسمي المحكم والمتشابه علمنا به أن المراد بالاحكام غير الإحكام الذي وصف به جميع الكتاب في قوله : كتاب احكمت آياته الآية ، وكذا المراد بالتشابه فيه غير التشابه الذي وصف به جميع الكتاب في قوله : « كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ » الزمر ـ ٢٣ .
وقد وصف المحكمات بأنها ام الكتاب ، والام بحسب أصل معناه ما يرجع اليه الشيء ، وليس إلا أن الآيات المتشابهة ترجع اليها ، فالبعض من الكتاب وهي المتشابهات ترجع إلى بعض آخر وهي المحكمات ، ومن هنا يظهر : أن الإضافة في قوله : ام الكتاب ليست لامية كقولنا : ام الأطفال ، بل هي بمعنى من ، كقولنا نساء القوم وقدماء الفقهاء ونحو ذلك ، فالكتاب يشتمل على آيات هي ام آيات اخر ، وفي إفراد كلمة الام من غير جمع دلالة على كون المحكمات غير مختلفة في أنفسها بل هي متفقة مؤتلفة .
وقد قوبلت المحكمات في الآية بقوله : وأُخر
متشابهات ، والتشابه توافق أشياء مختلفة واتحادها في بعض الأوصاف والكيفيات ، وقد وصف الله سبحانه جميع القرآن