المنقول منهم لا يخلو عنه ، وبالجملة دعوى كون ذنب من الذنوب أو خطيئة من الخطايا لازمة غير قابلة في نفسه للمغفرة والإمحاء حتى بالتوبة والإنابة والرجوع والندم مما لا يقبله عقل سليم ولا طبع مستقيم .
وثالثاً : أن قولهم : أن خطيئة آدم كما لزمته كذلك لزمت ذريته إلى يوم القيامة يستلزم أن يشمل تبعة الذنب الصادر من واحد غيره أيضاً ممن لم يذنب في المعاصي المولوية . وبعبارة اخرى أن يصدر فعل عن واحد ويعم عصيانه وتبعته غير فاعله كما يشمل فاعله ؛ وهذا غير أن يأتي قوم بالمعصية ويرضى به آخرون من أخلافهم فتحسب المعصية على الجميع وبالجملة هو تحمل الوزر من غير صدور الذنب والقرآن يرد ذلك كما في قوله : « أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ـ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ » النجم ـ ٣٩ ، والعقل يساعده عليه لقبح مؤاخذة من لم يذنب بذنب لم يصدر عنه . راجع أبحاث الأفعال في تفسير آية ٢١٦ ـ ٢١٨ من سورة البقرة .
ورابعاً : أن كلامهم مبني على كون تبعة جميع الخطايا والذنوب هو الهلاك الأبدي من غير فرق بينها ، ولازمه أن لا يختلف الخطايا والذنوب من حيث الصغر والكبر بل يكون جميعها كبائر موبقات ، والذي يراه القرآن الكريم في تعليمه أن الخطايا والمعاصي مختلفة : فمنها كبائر ، ومنها صغائر ، ومنها ما تناله المغفرة ، ومنها ما لا تناله إلا بالتوبة كالشرك ، قال تعالى : « إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ » النساء ـ ٣١ ، وقال تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ » النساء ـ ٤٨ ، فجعل تعالى من المحرمات المنهي عنها وهي الخطايا والذنوب ما هي كبائر ، وما هي سيئات أي صغائر بقرينة المقابلة ؛ وجعل تعالى من الذنوب ما لا يقبل المغفرة ، ومنها ما يقبلها فالذنوب على أي حال مختلفة ، وليس كل ذنب بموجب للخلود في النار والهلاك الأبدي .
على أن العقل يأبى عن نضد جميع الذنوب ونظمها
في سلك واحد فاللطم غير القتل والنظر المريب غير الزنا ، وهكذا ، والعقلاء من الإنسان في جميع الأدوار لم يضعوا كل ذنب وخطأ موضع غيره ، ويرون للمعاصي المختلفة تبعات ومؤاخذات مختلفة فكيف يصح إجراء الجميع مجرى واحداً مع هذا الاختلاف الفاحش بينها ، وإذا فرض اختلافها لم يصح إلا جعل العقاب الخالد والهلاك الأبدي لبعضها كالشرك بالله ؛