فإن قوله : وكنت عليهم « الخ » في معنى أنه لم يكن لي شأن فيهم إلا ما أنت وظفته علي وعينته وهو تبليغ الرسالة ، والشهادة على الأعمال ما دمت فيهم ، وأما هلاكهم ونجاتهم وعذابهم ومغفرتهم فإنما ذلك اليك من غير أن يرتبط بي شيء من ذلك أو يكون لي شأن فيه فأملك لهم شيئاً منك أخرجهم به من عذابك أو تسلطك عليهم ، وفي ذلك نفى الفداء إذ لو كان هناك فداء لم يصح تبريه من أعمالهم وإرجاع العذاب والمغفرة معاً الى الله سبحانه بنفي ارتباطهما به أصلاً .
وفي معنى هذه الآيات قوله تعالى : « وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ » البقرة ـ ٤٨ ، وكذا قوله تعالى : « يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ » البقرة ـ ٢٥٤ ، وقوله تعالى : « يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ » المؤمن ـ ٣٣ ، فإن العدل في الآية الاولى والبيع في الآية الثانية والعصمة من الله في الآية الثالثة مما ينطبق عليه الفداء فنفيها نفي الفداء .
نعم أثبت القرآن الشريف في مورد المسيح الشفاعة بدل ما يثبتونه من الفداء والفرق بينهما أن الشفاعة ( كما تقدم البحث عنها في قوله تعالى : « وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي » البقرة ـ ٤٨ ) ، نوع من ظهور قرب الشفيع ومكانته لدى المشفوع عنده من غير أن يملك الشفيع منه شيئاً أو يسلب عنه ملك أو سلطنة ، أو يبطل حكمه الذي خالفه المجرم أو يبطل قانون المجازاة بل إنما هو نوع دعاء واستدعاء من الشفيع لتصرف المشفوع عنده وهو الرب ما يجوز له من التصرف في ملكه ، وهذا التصرف الجائز مع وجود الحق هو العفو الجائز للمولى مع كونه ذا حق أن يعذبه لمكان المعصية وقانون العقوبة .
فالشفيع يحضه ويستدعي منه أن يعمل بالعفو والمغفرة في مورد استحقاق العذاب للمعصية من غير أن يسلب من المولى ملك أو سلطان بخلاف الفداء فإنه كما مر معاملة يتبدل به سلطنة من شيء إلى شيء آخر هو الفداء ويخرج المفدي عنه عن سلطان القابل الآخذ للفداء .
ويدل على هذا الذي ذكرناه قوله تعالى :
« وَلَا
يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
» الزخرف ـ ٨٦ ، فإنه صريح في وقوع الشفاعة من المستثنى ، والمسيح عليهالسلام
ممن كانوا يدعونهم من دون الله ، وقد نص القرآن بأن