التأويل الموجب لتفسير بعضه بعضاً بالمعنى الذي أوضحناه للتأويل فيما مر .
ويتضح ذلك بعض الاتضاح بإجادة التدبر في جهات البيان القرآني والتعليم الإلهي والامور التي بنيت عليها معارفه والغرض الأقصى من ذلك وهي امور :
منها : أن الله سبحانه ذكر أن لكتابه تأويلا هو الذي تدور مداره المعارف القرآنية والأحكام والقوانين وسائر ما يتضمنه التعليم الإلهي ، وأن هذا التأويل الذي تستقبله وتتوجه اليه جميع هذه البيانات أمر يقصر عن نيله الأفهام وتسقط دون الارتقاء اليه العقول إلا نفوس طهرهم الله وأزال عنهم الرجس ، فإن لهم خاصة أن يمسوه . وهذا غاية ما يريده تعالى من الانسان المجيب لدعوته في ناحية العلم أن يهتدي الى علم كتابه الذي هو تبيان كل شيء ، ومفتاحه التطهير الإلهي ، وقد قال تعالى : « مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ » المائدة ـ ٦ ، فجعل الغاية لتشريع الدين هي التطهير الإلهي .
وهذا الكمال الإنساني كسائر الكمالات المندوب اليها يظفر بكمالها إلا أفراد خاصة ، وإن كانت الدعوة متعلقة بالجميع متوجهة الى الكل ، فتربية الناس بالتربية الدينية إنما تثمر كمال التطهير في أفراد خاصة وبعض التطهير في آخرين ، ويختلف ذلك باختلاف درجات الناس ، كما أن الإسلام يدعو الى حق التقوى في العمل . قال تعالى : « اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ » آل عمران ـ ١٠٢ ، ولكن لا يحصل كماله إلا في أفراد وفيمن دونهم دون ذلك على طريق الأمثل فالأمثل ، كل ذلك لاختلاف الناس في طبائعهم وأفهامهم ، وهكذا جميع الكمالات الاجتماعية من حيث التربية والدعوة ، يدعو داعي الاجتماع الى الدرجة القصوى من كل كمال كالعلم والصنعة والثروة والراحة وغيرها لكن لا ينالها إلا البعض ، ومن دونه ما دونها على اختلاف مراتب الاستعدادات .
وبالحقيقه امثال هذه الغابات ينالها المجتمع من غير تخلف دون كل فرد منه .
ومنها
: أن القرآن قطع بأن الطريق الوحيد الى إيصال
الإنسان الى هذه الغاية الشريفة تعريف نفس الإنسان لنفسه بتربيته في ناحيتي العلم والعمل : أما في ناحية العلم
فبتعليمه الحقائق المربوطة به من المبدء والمعاد وما بينهما من حقائق العالم حتى يعرف
نفسه بما ترتبط به من الواقعيات معرفة حقيقية . وأما في ناحية العمل فبتحميل قوانين