فهل ينسجم هذا الاعتقاد مع أحكام الاضطرار والإكراه ؟!
لقد طعن الشيخ محمّد رشيد رضا هذه العقيدة في الصميم حين قال :
« وقد عُني الملوك المستبدّون بجذب العلماء إليهم بسلاسل الذهب والفضّة والرُتَب والمناصب ، وكان غيرهم أشدّ انجذاباً ، ووضع هؤلاء العلماء الرسميّون قاعدة لأُمرائهم ولأنفسهم هدموا بها القواعد التي قام بها أمرُ الدِين والدنيا في الإسلام ، وهي : أنّه يجوز أن يكون أولياء الأُمور فاقدين للشروط الشرعية التي دلّ علىٰ وجوبها واشتراطها الكتاب والسُنّة ، وإنْ صرّح بها أئمّة الاُصول والفقه ، فقالوا : يجوز ، إذ فُقِدَ الحائزون لتلك الشروط.
مثال ذلك : إنّه يشترط فيهم العلم المعبَّر عنه بالاجتهاد ، وقد صرّح هؤلاء بجواز تقليد الجاهل ، وعدّوه من الضرورة ، وأطلق الكثيرون هذا القول ، وجرىٰ عليه العمل. وذلك من توسيد الأمر إلىٰ غير أهله الذي يقرّب خطوات ساعة هلاك الأُمة ، ومن علاماتها : ذهاب الأمانة ، وظهور الخيانة.. ولا خيانة أشدّ من توسيد الأمر إلىٰ الجاهلين..
روى مسلم وأبو داوود حديث ابن عبّاس : « من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أنّ فيهم أوْلىٰ بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسُنّة نبيّه ، فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين » (١).
وطعنها أيضاً في قوله : ماأفسد علىٰ هذه الأُمّة أمرها وأضاع عليها ملكها إلاّ جعل طاعة هؤلاء الجبّارين الباغين واجبة شرعاً علىٰ الإطلاق ،
__________________
(١) تفسير المنار ٥ : ٢١٥ ـ ٢١٦ باختصار.