معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما ، وكذلك حال الغرائز الاُخرىٰ في الإنسان ، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجّه الغريزي في ذات الإنسان.
إنَّ هذا الأمر الأصيل في وجود الإنسان ، قد تغطّيه حجب الإثم والشقاء بعدما يظهر للعيان بنداء الفطرة ، فيتراءىٰ للإنسان أنّه قد استغنىٰ ، فيطغىٰ ويعرض عن خالقه متعلّقاً بالاسباب التي هي دونه ، قال تعالىٰ : ( كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ) (١) ، وقال تعالىٰ : ( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ) (٢) ، وقال تعالىٰ : ( فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ) (٣).
فإذا اقتصر الإنسان علىٰ الدعاء في حال الاضطرار والشدة ، فان ذلك لا يمثل كمالاً إنسانياً ولا إخلاصاً عبادياً ، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم موصياً الفضل بن العباس : « احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إلىٰ الله في الرخاء يعرفك في الشدّة » (٤) يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتىٰ يستجيب لدعائك في الشدّة ولاينساك ، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم ، وذلك لأنّ من نسي ربه
__________________________
(١) سورة العلق : ٩٦ / ٦ ـ ٧.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ١٢.
(٣) سورة الاسراء : ١٧ / ٦٧.
(٤) الفقيه ٤ : ٢٩٦ / ٨٩٦.