ثمّ قال : وإن دعوتهم فأجابوني ، وقضى عليَّ الموت ، ولم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدي ، فقال : نعم . فقال أبوك : فإن أتيتك وقد رفعك الله ولم أدركك (١) ، يكون من بعدك من يقوم عنك فيدفع ذلك إليَّ أو إلى ولدي ؟
قال : نعم ، على أن لا أراك ولا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا ، وسيجيبك قومك فإذا حضرتك الوفاة فليصر ولدك إلى وليّي من بعدي ووصيّي» . وقد مضى أبوك ودعا قومه فأجابوه ، وأمرك بالمصير إلى رسول الله (ص) ، أو إلى وصيّه فها أنا وصيّه ، ومنجز وعده» . فقال الأعرابي : صدقت يا أبا الحسن .
ثم كتب له عليّ خرقة بيضاء وناولها الحسن عليه السلام وقال : «يا أبا محمّد ، سر بهذا الرجل إلى وادي العقيق ، وسلّم على أهله ، واقذف الخرقة ، وانتظر ساعة حتّى ترى ما يفعل ، فإن دفع إليك شيء ، فادفعه إلى الرجل» . ومضيا بالكتاب .
قال ابن عبّاس رضي الله عنه : فسرت من حيث لم يرني ، فلمّا أشرف الحسن بن عليّ عليه السلام على الوادي ، نادى بأعلى صوته : «السلام عليكم أيها السكّان البررة الأتقياء ، أنا ابن وصيّ رسول الله (ص) ، أنا الحسن بن عليّ سبط رسول الله (ص) ، وابن وصيّه ورسوله إليكم» . وقد قذف الخرقة في الوادي ، فسمعت من ذلك الوادي صوتاً : لبيك لبيك يا سبط رسول الله وابن البتول ، وابن سيّد الأوصياء ، سمعنا وأطعنا ، انتظر لندفع إليك . فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام ـ ولم أدر من أين ظهر ـ وبيده زمام ناقة حمراء ، تتبعها ست ، ولم يزل يخرج غلام بعد غلام في يد كلّ غلام قطار ، حتّى عددت مائة ناقة حمراء بأزمّتها وأحمالها ، فقال الحسن عليه السلام : «خذ بزمام نوقك وعبيدك ومالك وامض بها ، رحمك الله» .
___________________
(١) في ر ، م ، ك : القك .