وإنّما يصحّ عصمتهم على أُصولنا إذا قلنا إنّ الله أقدرهم على الطاعة دون المعاصي وصاروا بذلك معصومين عن المعاصي (١) فقد كان الأنبياء جميعاً قبل بعثتهم مؤمنين بالله موحّدين ، أمّا بالأدلّة العقليّة أو على شريعة من قبلهم ، ولقد كان الرسول قبل بعثته متابعاً ملّة إبراهيم عليهالسلام (٢).
وعند التأمّل قد نجد المذهب عند محقّقي الأشاعرة منع الكبائر والصغائر الخسيسة بعد البعثة مطلقاً ، والصغائر غير الخسيسة عمداً لا سهواً (٣).
ويذهب البغدادي إلى أنّ الأنبياء جميعهم معصومون من الذنوب كلّها بعد البعثة لا قبلها ، وأمّا السهو والخطأ فجائز عليهم (٤).
ولذا يرى أحمد صبحي أنّ المعتزلة أشدّ نزاهة من الأشاعرة في الموقف تجاه عصمة الأنبياء ، ويستغرب من انتقاد البغدادي لهم مع أنّهم لم يثبتوا للنبي أي ذنبٍ على سبيل الخطأ في التأويل ، ويتعجب من ردّه قولهم : انّ الله قد حصّنهم من الذنوب (٥).
ومن مراجعة سائر الأقوال المتقدّمة ومقارنتها مع ما سيأتي في الفصل الأول يعلم وجه الحق في أي منها ومقدار ما يمتلكه كل فريق من المعرفة بخطورة وعظمة مقام النبوة ومنزلتها الرفيعة في بناء فكر الإنسان وعقيدته.
___________
(١) أُصول الدين / عبد القاهر البغدادي : ١٦٩.
(٢) في علم الكلام ، دراسة فلسفية لآراء الفرق الإسلامية / أحمد صبحي : ٥٥١.
(٣) شرح المواقف / الجرجاني ٨ : ٢٦٥.
(٤) أصول الدين / البغدادي عبد القاهر : ١٦٥.
(٥) في علم الكلام / أحمد صبحي : ٥٥١.