ويرى أولئك أنّ ظاهر صدور السؤال منه غير لائق بمقام النبوةُّ لأنّ تغليب العاطفة على الحق والعدل أمر لا يُنتظر من النبيين وهم الصفوة المختارة ولأجل ذلك كلّه ـ كما يرى أولئك ـ خُوطب بالعتاب وهو ظاهر قوله تعالى : ( فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ، ورتّبوا على ذلك معتقدهم الفاسد الذي بيّناه.
وليس في الآية ما يدل على زجر أو توبيخ أو ما شابه ذلك مما يتنافي وعصمة نوح عليهالسلام.
ففي عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق في باب ذكر مجلس الرضا عليهالسلام مع المأمون في حديث جاء فيه : ( أما علمتم أن نوحاً حين سأله ربّه عزّوجلّ ، فقال : ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ )(١)وذلك أن الله عزّوجلّ وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربّه عزّوجلّ : ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (٢) ) (٣).
وهذا يشير إلى أن الأخذ بظاهر قول نوح عليهالسلام من أنّه كان يريد الدعاء لابنه بالنجاة كما زعم مفسرو العامة غير صحيح ، لأن تدبر قصة نوح عليهالسلام يدل على غير ذلك تماماً.
وبيان ذلك أن الله عزّوجلّ أمره أن يصنع الفلك وأمره ركبوها هو وأهله والمؤمنون كما في قوله تعالى : ( احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا
___________
(١) سورة هود : ١١ / ٤٥.
(٢) سورة هود : ١١ / ٤٦.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٠٧ / ١ باب (٢٣) ، والأمالي / الشيخ الصدوق : ٦١٧ / ٨٤٣ (١) مجلس (٧٩) ، وتحف العقول / ابن شعبة الحرّاني : ٤٢٧.