لفعليّة وجوبه فهو ملزم أيضا بتوفير وتهيئة مقدّمات هذا الواجب ، وهذا الإلزام مترشّح من الوجوب ، ولذلك كانت المقدّمات للواجب واجبة وجوبا غيريّا ، بمعنى أنّه وجوب مترشّح من الوجوب النفسي ، وهذا معناه أنّ الوجوب الغيري إنّما يبدأ من حين ثبوت الوجوب النفسي لا قبله ؛ لأنّه قبل ثبوت الوجوب النفسي يكون الوجوب الغيري منتفيا من باب السالبة بانتفاء الموضوع.
وعلى هذا فإنّما يطالب المكلّف بالمقدّمات ويكون مسئولا عن إيجادها ومدانا على تركها فيما إذا ثبت الوجوب النفسي وصار فعليّا ، وأمّا إذا لم يثبت الوجوب النفسي فلا معنى للمطالبة بالمقدّمات ، وهذا واضح.
ولكن قد نفرض أنّ الوجوب صار فعليّا بينما زمان الواجب متأخّر وكان لهذا الواجب مقدّمات ، ونفرض أنّه لا يمكن إيجاد هذه المقدّمات وتوفيرها بعد حلول زمان الواجب ، بحيث إذا حلّ زمانه سوف يفوت امتثاله نتيجة عدم تهيئة مقدّماته من قبل ، فهنا هل يجب على المكلّف إيجاد هذه المقدّمات قبل حلول زمان الواجب أم لا؟
والجواب : أنّه لا يجب تهيئة مثل هذه المقدّمات وإن كان الواجب سوف يفوت عند حلول زمانه.
والوجه في ذلك واضح ؛ لأنّه قبل حلول زمان الواجب لا يكون المكلّف مسئولا عن إيجاد المقدّمات المرتبطة به ؛ لعدم وجود الداعي والمحرّك نحوها ، وبالتالي سوف يكون المكلّف عاجزا عن امتثال التكليف عند حلول زمانه ، ومع العجز عنه يسقط عن الفعليّة أو الفاعليّة.
ومثال ذلك : اشتراط الصلاة بالوضوء ، فإنّ مقدّميّة الوضوء للصلاة شرط يجب توفيره بعد دخول الوقت أي الزوال ، فإذا زالت الشمس دخل زمان الواجب فصار الوضوء واجبا على المكلّف ولا يجوز له تركه ؛ لأنّه يكون عاصيا بذلك ، وأمّا قبل زوال الشمس فلا يجب عليه الوضوء لعدم فعليّة الواجب قبل الزوال ، ولكن إذا فرضنا أنّ المكلّف كان يعلم من أوّل الأمر بأنّه لن يتمكّن من الوضوء بعد الزوال لمانع ، فهل يجب عليه تهيئة الوضوء قبل الزوال أم لا؟
والجواب : أنّه لا يجب عليه ذلك ، وإن كان بتركه للوضوء سوف يصبح عاجزا عن الإتيان بالصلاة مع الوضوء ولا يكون عاصيا بهذا الترك.