والوجه في ذلك : هو أنّ الوضوء قبل الزوال لا يترشّح عليه الوجوب ؛ لأنّ وجوبه الغيري إنّما يترشّح بعد فعليّة الواجب وهو مرتبط بالزوال ؛ فقبله لا فعليّة ، ومع عدم الفعليّة لا يكون المكلّف مطالبا ولا مسئولا عن شيء. وبعد دخول الزوال ـ والمفروض أنّه عاجز عن الوضوء ـ سوف يسقط الأمر بالصلاة عن الوضوء بسبب عجزه عن إيجاده ، ومع العجز لا تكليف وإلا كان من التكليف بغير المقدور وهو محال.
وبتعبير آخر : إنّ وجوب الصلاة عن وضوء لا يبدأ قبل الزوال ، فترك الوضوء قبل الزوال لا يتّصف بأنّه ترك للواجب أو مخالفة للوجوب الفعلي. وإنّما يبدأ وجوب الصلاة عن وضوء بعد الزوال وهو في هذا الزمن غير قادر على الوضوء فيسقط هذا الوجوب ؛ لأنّه لا تكليف على العاجز وغير القادر.
إذا ترك المكلّف للوضوء قبل الزوال سوف يتسبّب برفع فعليّة وجوب الصلاة عن الوضوء بعد الزوال ، أو سوف يحول دون تحقّق مثل هذا الوجوب ؛ لأنّه فاقد لقيده ، والوجوب لا يتحقّق إلا بتحقّق قيوده وهذا ما يسمّى بالتعجيز ، أي أنّ المكلّف قد عجّز نفسه عن إيجاد متعلّق الوجوب في وقته ، ولكن هذا التعجيز كان قبل الوقت ولذلك لا يكون عاصيا ؛ لأنّه قبل الوقت لا يوجد ما يدعوه إلى إيجاد القيد.
ويطلق على الوضوء في مثل هذه الحالة عنوان المقدّمة المفوّتة ، أي أنّه من دونه سوف يفوّت الواجب في حينه.
ولكن هذه الصفة ليست دائميّة ، بل هي اتفاقيّة ؛ لأنّ الوضوء كما يمكن وجوده قبل الزوال يمكن وجوده بعده أيضا.
ولكن يلاحظ أحيانا أنّ الواجب قد يتوقّف على مقدّمة تكون دائما من هذا القبيل ، ومثالها وجوب الحجّ الموقوت بيوم عرفة ، ووجوب الصيام الموقوت بطلوع الفجر ، مع أنّ الحجّ يتوقّف على السفر إلى الميقات قبل ذلك ، والصيام من الجنب يتوقّف على الاغتسال قبل طلوع الفجر ، ولا شكّ في أنّ المكلّف مسئول عن طي المسافة من قبل وجوب الحجّ ، وعن الاغتسال قبل الطلوع من قبل وجوب الصيام.
ومن هنا وقع البحث في تفسير ذلك ، وفي تحديد الضوابط التي يلزم المكلّف فيها بإيجاد المقدّمات المفوّتة.