محل الكلام : وهو المقدّمة المفوّتة : وهي المقدّمة التي يتوقّف عليها إيجاد الواجب ، ولكن هذه المقدّمة لا يمكن توفيرها إلا قبل زمان الواجب ، بحيث إذا لم تتوفّر قبله فات الواجب عند حلول زمانه ، وهذه الصفة دائمة لها بمعنى أنّها دائما يجب أن تتوفّر قبل زمان الواجب ولا يمكن أن تتحقّق بعده ؛ لأنّه يفوت على المكلّف.
ومثالها : ما إذا وجب الحجّ على المستطيع فصار الوقوف بعرفة واجبا عليه ، إلا أنّ زمان هذا الواجب إنّما هو في اليوم التاسع من ذي الحجّة ، ولكن إذا كان المستطيع فرضه حجّ التمتّع لكونه بعيدا فيكون السفر إلى الميقات للإحرام منه واجبا عليه ؛ لكونه مقدّمة للوقوف في عرفات ، فإنّ من لا يسافر سوف يفوته الوقوف في حينه ، بل يجب أن يكون السفر قبل زوال اليوم التاسع بنحو يتمكّن المكلّف من القيام بسائر الأعمال الواجبة من إحرام وعمرة ، ولا يمكنه أن يسافر حين الزوال ؛ لأنّه سوف يفوته الواجب بذلك ، ومن هنا كان السفر المذكور مقدّمة مفوّتة دائما.
ومثالها أيضا : ما إذا هلّ هلال شهر رمضان فصار الصوم واجبا في الغد ، إلا أنّ زمانه هو طلوع الفجر ، وفرض أنّ مكلّفا كان جنبا في الليل فإنّه يجب عليه الاغتسال من الجنابة لكونه من مقدّمات الصوم الواجب ؛ لأنّه لا يصحّ الصوم من الجنب ، والمفروض أنّ زمان الواجب هو طلوع الفجر لا قبله.
ولكن إذا لم يغتسل المكلّف قبل طلوع الفجر سوف يفوته الواجب وهو الصوم عن طهارة من الحدث الأكبر ، ولو أراد أن ينتظر إلى أن يطلع الفجر ثمّ يغتسل فسوف يقع آن من الآنات مع الجنابة فيبطل الصوم ، وهذا معناه أنّ الاغتسال مقدّمة مفوّتة دائما يجب تحصيلها قبل طلوع الفجر ، مع أنّها من قيود الواجب وهو لم يحل زمانه بعد.
ومن هنا وقع البحث والكلام في كيفيّة تخريج وجوب المقدّمة المفوّتة ، فإنّ وجوبها لا إشكال فيه إثباتا ، ولكن ثبوتا كيف يمكن تخريج هذا الوجوب ؛ لأنّه على خلاف القاعدة؟
وقد ذكرت في المقام عدّة تفسيرات :
التفسير الأوّل : إنكار الوجوب المشروط رأسا ، وافتراض أنّ كلّ وجوب فعلي قبل تحقّق الشروط والقيود المحدّدة له في لسان الدليل ، وإذا كان فعليّا كذلك فتبدأ