كلّ حالة يدلّ فيها الدليل على أنّ القدرة كذلك يثبت لزوم المقدّمات المفوّتة.
التفسير الثالث : ما لعلّه يظهر من كلمات الميرزا النائيني في المقام ، وحاصله أن يقال : إنّنا ننكر فكرة الشرط المتأخّر وفكرة الواجب المعلّق ، ولكنّنا نؤمن بالوجوب المشروط ، فيكون زمان الواجب قيدا للوجوب وليس الوجوب فعليّا من أوّل الأمر ، ولكنّه من حين مجيء زمان الواجب ، ولكن مع ذلك يمكننا حلّ مشكلة وجوب المقدّمات المفوّتة عن طريق آخر ، فنقول :
أوّلا : لا يجوز للمكلّف أن يترك التكليف المأمور به بعد أن يصبح فعليّا بحيث يكون قادرا على فعله فيتركه.
وثانيا : لا يجوز للمكلّف أن يعجّز نفسه عن امتثال التكليف بعد أن يصبح فعليّا ، كما إذا كان لديه ماء وبعد زوال الشمس أراقه فعجّز نفسه عن الوضوء.
وثالثا : لا يجوز للمكلّف أن يترك الملاك الفعلي فيما إذا كان قادرا على تحقيقه وإن لم يكن مخاطبا بالتكليف ، فإنّه إذا كان قادرا فأذهب قدرته فهو لا يخاطب بالتكليف لكونه عاجزا حينئذ ، لكنّه يطالب بتفويته الملاك الفعلي باختياره.
بعد ذلك نقول : إنّ المقدّمات المفوّتة التي يوجب فواتها عجز المكلّف وعدم قدرته على امتثال الواجب ، إنّما يجب تحصيلها فيما إذا كانت من المقدّمات العقليّة التكوينيّة لا الشرعيّة ، من قبيل السفر إلى الميقات وحفظ الماء للوضوء به لا من قبيل الوضوء قبل الوقت مثلا.
وعليه فالقدرة على هذه المقدّمات العقليّة المفوّتة إمّا أن تكون عقليّة وإمّا أن تكون شرعيّة.
فإذا كانت القدرة عليها عقليّة ـ والقدرة العقليّة هي التي لا تكون دخيلة في الملاك ، فيكون الملاك ثابتا حتّى بحقّ العاجز وإن لم يكن مخاطبا بالتكليف ـ فالمكلّف إذا ترك المقدّمات المفوّتة يكون قد أوقع نفسه في العجز عن تحصيل الملاك ، مع كون الملاك فعليّا حتّى مع فرض عجزه في زمان الواجب.
والتعجيز الذي هو فعل اختياري للمكلّف لا ينافي الاختيار ، فهو كترك الملاك رأسا مع قدرته عليه ، ولذلك يكون مدانا عقلا ؛ لأنّه قد فعل ما لا يجوز له فعله بحكم العقل ، ولا يختلف تفويت الملاك بسبب التعجيز عن تفويت التكليف الفعلي