بتركه رأسا أو بتعجيز نفسه عنه ، فإنّ العقل يستقلّ بلزوم حفظ القدرة على تحصيل هذه المقدّمات قبل زمان الواجب ؛ لأنّها معدّة له وهو موقوف عليها.
وأمّا إذا كانت القدرة شرعيّة ـ والقدرة الشرعيّة هي التي تكون دخيلة في الملاك لأخذ الشارع لها في لسان الدليل والخطاب ، ولذلك لا ملاك على العاجز كما لا تكليف عليه ـ فهي على أقسام :
فتارة تكون كالقدرة العقليّة تماما أي القدرة على الفعل وعلى تهيئة المقدّمات وحفظها ، غاية الأمر أنّ القدرة العقليّة ليست دخيلة في الملاك من أوّل الأمر بحكم العقل ، بينما هذه وإن كانت دخيلة في الملاك إلا أنّها لمّا كانت شاملة للمقدّمات وغيرها كانت النتيجة فيهما واحدة ، بحيث تكون من الناحية العمليّة كأنّها ليست دخيلة في الملاك ، كما إذا قيل : ( إذا قدرت فأكرم زيدا غدا ).
وأخرى لا تكون كالقدرة العقليّة ولكنّها اعتبرت بنحو يجب معه تحصيل المقدّمات قبل مجيء وقت الواجب ، فهي هنا كالقدرة العقليّة أيضا لا تكون من الناحية العمليّة دخيلة في الملاك وإن كانت دخيلة فيه ابتداء ، كما إذا قيل : ( أكرم عمرا غدا إذا قدرت على ذلك بعد مجيء زيد ) ، فهنا القدرة معتبرة بعد مجيء زيد ، فإذا جاء زيد اليوم لزم تحصيل مقدّمات إكرام عمرو من الآن فيما إذا كانت مفوّتة في الغد.
وثالثة تكون القدرة الشرعيّة معتبرة في زمان الواجب فقط ، كما إذا قال : ( إذا قدرت على إكرام زيد غدا فأكرمه ) ، فهنا القدرة كانت دخيلة في الإكرام في يوم الغد ، ولذلك لا يجب تحصيل مقدّمات الإكرام قبل مجيء يوم الغد ؛ لأنّه إذا لم يكن قادرا في الغد على الإكرام فكما لا يجب إكرامه فكذلك لا ملاك في إكرامه ؛ لأنّ القدرة الشرعيّة كانت مأخوذة في الخطاب مقيّدة بالغد لا مطلقة ، ولا بنحو يشمل المقدّمات من أوّل الأمر ، ومن هنا لم يكن مسئولا عن المقدّمات المفوّتة ، بل يجوز تركها ولا شيء عليه.
وبهذا يظهر لنا أنّه في كلّ حالة يثبت فيها كون المكلّف مسئولا عن تحصيل وإيجاد المقدّمات المفوّتة ، استكشف من ذلك كون القدرة إمّا عقليّة وإمّا شرعيّة بالمعنى الواسع المطلق الشامل للمقدّمات ، وإمّا شرعيّة بنحو خاصّ بحيث يكون