وبهذا ظهر أنّ سريان الوجوب من الجامع إلى الأفراد أو استلزامه لذلك في غير محلّه ، وحينئذ يكون الوجه الثالث كالثاني القائل بعدم السراية.
ويمكن أن يجاب على ذلك بأنّ هذا إنّما يتمّ في مرحلة جعل الحكم والإيجاب لا في مرحلة الشوق والإرادة ، إذ لا مانع من دعوى الملازمة في هذه المرحلة بين حبّ الجامع وأنحاء من الحبّ المشروط للحصص.
ولا يأتي الاعتراض باللغويّة ؛ لأنّ الكلام هنا عن المبادئ التكوينيّة للحكم.
وهذه الملازمة لا برهان عليها ، ولكنّها مطابقة للوجدان.
والجواب عن هذا الاعتراض :
أنّ ما ذكر في الاعتراض إنّما يتمّ لو قصرنا النظر على مرحلة جعل الحكم والإيجاب ، فإنّه يقال حينئذ بأنّ الشارع إمّا أن يجعل الوجوب على الجامع فقط أو يجعل وجوبات مشروطة على الحصص ، فإذا جعل الوجوب على الجامع فهو لا يسري إلى الأفراد لا بنفسه ؛ لأنّ الوجوب فعل اختياري للمولى ، ولا بجعل جديد من المولى ؛ لأنّه يكون لغوا وتحصيلا للحاصل.
إلا أنّنا إذا لاحظنا عالم الحبّ والشوق والإرادة أي عالم المبادئ للحكم فلا مانع ولا محذور حينئذ من سريان الحبّ والشوق والإرادة من الجامع إلى الأفراد ، فيقال بالملازمة بينهما ، بمعنى أنّ المولى إذا أحبّ شيئا فهو يحبّ أفراده وحصصه ولكن بنحو مشروط.
وهذا لن يبتلى بمحذور اللغويّة ؛ لأنّ كلامنا عن الحبّ والشوق والإرادة لا عن جعل الوجوب ، ليكون سريان ذلك تحصيلا للحاصل ولغوا.
نعم ، هذه الملازمة أو دعوى سريان الحبّ والشوق والإرادة من الجامع إلى الأفراد ولو مشروطا ممّا لا يمكن إقامة الدليل عليها ، إلا أنّها مع ذلك مطابقة للوجدان ، فإنّ المولى العرفي أو الإنسان مطلقا إذا تعلّق حبّه وشوقه وأراد شيئا وكان لهذا الشيء أفراد وحصص ، فهذا الشوق سوف يسري إلى الأفراد بمعنى أنّه سوف يحبّ ويريد كلّ فرد من الأفراد ولكن بنحو مشروط لا مطلقا ، بمعنى أنّه يريد أن يحقّق غرضه وملاكه في أي واحد من هذه الأفراد ، وبما أنّ كلّ واحد منها واجد للملاك ويمكن تحصيله منه فهو يحبّه. نعم لا يمكنه تحصيل مجموع الملاكات منها ؛ لما تقدّم سابقا من أنّها متضادّة في عالم الوجود أي وجود الملاك الأوّل يمنع من وجود الملاك الثاني ، وهكذا.