الأوّل مع فارق بينهما ، وهو أنّ التفسير الأوّل كان يرى أنّ الوجوب متعدّد ابتداء ممّا يعني أنّ لكلّ فرد وجوبا مجعولا بنحو مستقلّ عن وجوب الأفراد الأخرى ولكنّها مشروطة ، ولذلك أشكل عليها بتلك الإشكالات.
وأمّا هنا فالأفراد ليست معروضة للوجوب ابتداء ليكون لدينا وجوبات مستقلّة متعدّدة ، بل هناك وجوب واحد فقط له عصيان واحد وامتثال واحد كما تقدّم.
وقد يعترض على الاتّجاه الثالث بأنّ الوجوب فعل اختياري للشارع يجعله حيثما أراد ، فإذا جعله على الجامع لا يعقل أن يسري بنفسه إلى غير الجامع ، فإن أريد بالوجوبات المشروطة سريان نفس ذلك الوجوب فهو مستحيل ، وإن أريد أنّ الشارع يجعل وجوبات أخرى مشروطة فهو بلا موجب فيكون لغوا.
اعترض على التفسير الثالث بما حاصله : أنّ ما ذكره من كون وجوب الجامع يستلزم الوجوبات المشروطة للحصص لا معنى له ؛ وذلك لأنّ الوجوب فعل اختياري للمولى فهو إن شاء جعل الوجوب وإن شاء لم يجعله ، فإذا أراد جعل الوجوب فإنّه إمّا أن يجعله وجوبا واحدا على الجامع فيما إذا لم يلاحظ الأفراد وكان الملاك في الجامع ، وإمّا أن يجعل وجوبات متعدّدة مطلقة أو مشروطة تبعا لما لاحظه في عالم الجعل من وحدة الملاك والغرض أو تعدّدهما.
وعليه ، فإذا جعل الشارع وجوبا واحدا على الجامع فلا معنى للقول بأنّ هذا الوجوب الواحد يستلزم وجوبات متعدّدة مشروطة ؛ لأنّ هذا إمّا أن يكون من نفس الوجوب وإمّا أن يكون من الشارع بجعل جديد ، وكلاهما باطل.
أمّا بطلان أن تكون الوجوبات المشروطة من نفس الوجوب المتعلّق بالجامع ، فلمّا ذكرنا من أنّ الوجوب فعل اختياري للمولى وليس أمرا قهريّا مفروضا عليه ، والسريان المذكور يعني أنّ تعدّد الوجوب كان قهريّا ، وهذا ينافي الاختياريّة في الجعل للمولى.
وأمّا بطلان أن تكون الوجوبات المشروطة مجعولة بجعل جديد من الشارع ، فلأنّ وجوب الجامع أوّلا يكفي مئونة جعل تلك الوجوبات المشروطة ؛ إذ المفروض أنّه لا يوجد إلا ملاك واحد يتحقّق بالإتيان بأي فرد أو مصداق أو حصّة ، وهذا المقدار يفي به الوجوب على الجامع ، فأيّة حاجة إلى جعل الوجوبات المشروطة على الحصص مجدّدا؟ فإنّه لا يكون إلا تحصيلا للحاصل فيلغو.