والظاهر من الدليل الذي يدلّ على الحكم الشرعي كون هذا الحكم مبرّزا ومصاغا بداعي البعث والتحريك ؛ لأنّ الاعتبار هو عمليّة التشريع والتقنين ، وليس مجرّد صياغة اعتباريّة لا تحمل في طيّاتها أيّة مسئوليّة للمكلّف كما هو المتعارف بين الناس والعرف.
٤ ـ الإدانة : وهي المرحلة الأخيرة وهي ترتبط بعالم الإثبات ؛ وذلك لأنّ التكليف إذا وصل إلى المكلّف صار فعليّا ومنجّزا عليه ومطالبا به ؛ لأنّه أصبح في عهدته وذمّته ، ويجب عليه عقلا أن يفرّغ ذمّته منه وذلك بأدائه وامتثاله ، فإذا عصى ولم يمتثل كان مدانا ومستحقّا للعقاب بحكم العقل لعدم امتثاله وإطاعته لأحكام من تجب إطاعته عقلا.
ولا شكّ في أنّ القدرة شرط في مرحلة الإدانة ؛ لأنّ الفعل إذا لم يكن مقدورا فلا يدخل في حقّ الطاعة للمولى عقلا ، كما أنّ مرتبتي الملاك والشوق غير آبيتين عن دخالة القدرة كشرط فيهما ـ بحيث لا ملاك في الفعل ولا شوق إلى صدوره من العاجز ـ وعن عدم دخالتها كذلك ـ بحيث يكون الفعل واجدا للمصلحة ومحطّا للشوق حتّى من العاجز ـ وقد تسمّى القدرة في الحالة الأولى بالقدرة الشرعيّة وفي الحالة الثانية بالقدرة العقليّة.
محلّ شرطيّة القدرة في التكليف : بعد أن ذكرنا المراتب الأربع للتكليف ، نعود لأصل البحث في هذه المسألة وهي أنّ القدرة التي هي شرط في التكليف في أيّة مرتبة من هذه المراتب الأربع تكون شرطا؟
والجواب : أمّا مرتبة الإدانة فلا شكّ في كون القدرة شرطا في هذه المرحلة ، فالعقل لا يحكم باستحقاق المكلّف للإدانة واستحقاق العقوبة على عدم الامتثال والإطاعة فيما إذا لم يكن قادرا على ذلك ، بل لا يحكم العقل بدخول الفعل في ذمّة وعهدة المكلّف حينئذ ، ولا يشمل حقّ الطاعة للمولى المكلّف العاجز تكوينا عن الامتثال ؛ لأنّ إدانة العاجز وغير القادر قبيح عقلا ؛ لأنّه مضطر إلى الفعل أو الترك فما يصدر منه لم يكن عن اختيار وإرادة ليطالب به ؛ لأنّ حقّ الطاعة لا يشمل موارد عدم الاختيار.
وهذا الاشتراط واضح ولا كلام فيه ، ولذلك فمن المستحيل أن يصدر من الشارع