فالصلاة مثلا أوجبها ؛ لأنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصيام أوجبه ؛ لأنّه سبب لحصول التقوى ، وهكذا في سائر الواجبات النفسيّة. فإنّ الشارع إنّما أوجبها من أجل ما يترتّب عليها من المصالح والملاكات والفوائد سواء منها الماديّة أم المعنويّة.
والحال أنّ هذه الواجبات ليست هي نفس تلك الفوائد والمصالح ، بل هما متغايران ومتباينان في الوجود ، وحيث إنّها وجبت للغير فينطبق عليها تعريف الوجوب الغيري ، وهذا لا يمكن الالتزام به ؛ بل لا يبقى من الواجبات ما هو نفسي إلا الإيمان بالله عزّ وجلّ ، وما عدا ذلك كلّه واجب للغير.
وأجاب هؤلاء على الملاحظة المذكورة بأنّ الصلاة وإن كانت واجبة من أجل المصلحة المترتّبة عليها ، إلا أنّ هذا لا يدرجها في تعريف الواجب الغيري ؛ لأنّ الواجب الغيري ليس كلّ ما وجب لغيره ، بل ما وجب لواجب آخر ، والمصلحة الملحوظة في إيجاب الصلاة ليست متعلقا للوجوب بنفسها ، فلا يصدق على الصلاة أنّها وجبت لواجب آخر.
والجواب عن الإشكال : أن هذا الإشكال إنّما يرد على تعريف الوجوب الغيري ( بأنّه ما وجب للغير ) إلا أنّنا نبدّل التعريف إلى قولنا : ( بأنّه ما وجب لواجب آخر ) فكلّ شيء وجب من أجل واجب آخر يكون وجوبه غيريّا ، وحينئذ تكون الصلاة ونحوها واجبات نفسيّة ؛ وذلك لأنّها وجبت لنفسها ولم تجب لواجب آخر.
وأمّا الفوائد والمصالح التي تترتّب على الواجبات النفسيّة فهي وإن كانت كذلك ، إلا أنّ هذا لا يعني أنّ الصلاة مثلا صارت واجبا غيريّا ؛ لأنّها لم تجب لواجب آخر ، فإنّ هذه المصالح ليست واجبة ولم يتعلّق بها الوجوب في رتبة سابقة. نعم ، هي مجرّد فوائد ومصالح لا أكثر إلا أنّ الشارع لم يوجبها أوّلا وبالذات ، وإنّما أوجب الصلاة فهي متعلّق الوجوب دون تلك المصالح.
فإن سألت : كيف لا تكون تلك المصلحة واجبة مع أنّ الصلاة الواجبة إنّما أوجبت من أجلها؟
كان الجواب : أنّ الإيجاب مرجعه إلى الاعتبار والجعل الذي هو العنصر الثالث من عناصر تكوين الحكم في مقام الثبوت ، وغاية الواجب إنّما يجب أن تكون مشاركة للواجب بدرجة أقوى في عالم الحبّ والإرادة ؛ لأنّ حبّه إنّما هو لأجلها ،