الطاعة عمّا هو خارج عنها ، والمفروض أنّ المولى لم يوجب تلك المصالح وإن كانت محبوبة له ؛ لأنّه ليس كلّ شيء أحبّه المولى فهو واجب ، بل الواجب ما جعله واجبا بإبراز الاعتبار الكاشف عنه ، وعلى هذا فنقول :
وعلى هذا فإذا جعل الشارع الإيجاب على الصلاة ابتداء وحدّدها مركزا لحقّ الطاعة ، ولم يدخل المصلحة المنظورة له في العهدة ، كانت الصلاة واجبا نفسيّا لا غيريّا ؛ لأنّها لم تجب لواجب آخر ، وإن وجبت لمصلحة مترتّبة عليها ، وخلافا لذلك الوضوء فإنّه وجب من أجل الصلاة الواجبة فينطبق عليه تعريف الواجب الغيري.
وحاصل الجواب أن يقال : إنّ الشارع إذا جعل الإيجاب على الصلاة مثلا كانت الصلاة هي الواجبة ؛ لأنّ إيجابها معناه أنّ حقّ الطاعة قد حدّده المولى في نطاق الصلاة لا أكثر ، فتكون واجبا نفسيّا ؛ لأنّها وجبت لا لواجب آخر ؛ لأنّ المفروض أنّ تلك المصلحة لم تكن واجبة ؛ لأنّ المولى لم يدخلها في نطاق حقّ الطاعة ولم يجعل الإيجاب عليها.
نعم ، لو جعل الشارع الإيجاب على تلك المصلحة وجعل الإيجاب على الصلاة كانت الصلاة واجبا غيريّا ؛ لأنّها تكون في هذه الحالة قد وجبت لواجب آخر إلا أنّ مثل هذا الفرض لم يقع.
وهذا بخلاف وجوب الوضوء فإنّه وجب لأجل الصلاة والمفروض أنّ الصلاة واجبة أيضا ، فيكون الوضوء واجبا غيريّا ؛ لأنّه وجب لواجب آخر.
ومن هنا نعرف : أنّ ما تعلّق به الحبّ والشوق المولوي قد يكون هو نفس ما تعلّق به الإيجاب وقد يكون مغايرا له ، والسرّ في ذلك هو ما يلحظه المولى من مصلحة عند جعله الإيجاب ؛ إذ ليس كلّ محبوب للمولى يمكن أن يحقّقه المكلّف ، فإذا جعل الإيجاب عليه يلزم منه المشقّة أو العسر والحرج أو التكليف بما لا يطاق ، ولذلك يجعل الوجوب على مقدّماته التي توصل إليه أو التي من شأنها أن توصل إليه.