وثانيا : أنّ امتثال الوجوب الغيري لا يستتبع ثوابا بما هو امتثال له ؛ وذلك لأنّ المكلّف إن أتى بالمقدّمة بداعي امتثال الواجب النفسي كان عمله بداية في امتثال الوجوب النفسي ويستحقّ الثواب عندئذ من قبل هذا الوجوب ، وإن أتى بالمقدّمة وهو منصرف عن امتثال الواجب النفسي فلن يكون بإمكانه أن يقصد بذلك امتثال الوجوب الغيري ؛ لما تقدّم من عدم صلاحيّة الوجوب الغيري للتحريك المولوي.
الخصوصيّة الثانية : بلحاظ الثواب.
فالوجوب النفسي إذا امتثله المكلّف وأتى بمتعلّقه استحقّ الثواب عليه ؛ لأنّه يكون مطيعا ومنقادا للمولى فيحكم العقل باستحقاقه الثواب من جهة تعظيمه واحترامه للمولى.
وأمّا الوجوب الغيري فهو بنفسه هل يوجب الإتيان به ثوابا زائدا على الثواب الموجود في الواجب النفسي أم لا؟
ذهب المشهور إلى أنّ الوجوب النفسي لا يوجب امتثاله الثواب بما هو واجب غيري ، أي لا يترتّب على عنوانه هذا أيّ ثواب ، وإنّما الثواب على الواجب النفسي فقط.
والوجه في ذلك أن يقال : إنّ المكلّف إذا جاء بالمقدّمة كطيّ المسافة بداعي امتثال الواجب النفسي وبقصد التوصّل إليه بها كان امتثاله هذا من بدايته يتّصف بأنّه امتثال للواجب النفسي.
أو بتعبير أدقّ يقال : إنّه شرع في امتثال الواجب النفسي ، وحينئذ يستحقّ الثواب على المقدّمة هذه لا بعنوان كونها مقدّمة ، بل بما هي شروع في امتثال الواجب النفسي ، وهذا الاستحقاق للثواب إنّما يأتي من قبل الوجوب المتعلّق بالواجب النفسي ، لا الوجوب الغيري المتعلّق بالمقدّمة.
وأمّا إذا لم يأت بالواجب النفسي بعد إتيانه بالمقدّمة بأن كان ناويا من أوّل الأمر ألاّ يأتي بالواجب النفسي بعد السفر وطيّ المسافة ، فهنا لا يكون مستحقّا للثواب لا على عنوان الواجب النفسي ولا على عنوان الواجب الغيري.
أمّا الأوّل فلأنّ المفروض أنّه لم يأت بالواجب النفسي فلا يستحقّ ثوابا من قبل الوجوب النفسي ، وأمّا الثاني فلأنّ عنوان المقدّميّة الذي هو ملاك الوجوب الغيري لم