يتحقّق فلا يستحقّ الثواب على الإتيان بالمقدّمة ؛ لأنّها لا تتّصف بعنوان المقدّميّة إذ المفروض أنّه لم يتوصّل بها إلى الواجب النفسي عن علم وعمد واختيار ، ومجرّد إتيانه بالمقدّمة لا يمكن أن يتّصف بالوجوب الغيري ؛ لأنّ هذا الإتيان لم يكن من قبل الوجوب الغيري ؛ لأنّه لا محرّكيّة ولا داعويّة له مستقلّة عن الوجوب النفسي كما تقدّم ، وبالتالي لا يستحقّ الثواب ؛ لأنّه لم يتحرّك عنه (١).
وثالثا : أنّ مخالفة الوجوب الغيري بترك المقدّمة ليست موضوعا مستقلا لاستحقاق العقاب ، إضافة إلى ما يستحقّ من عقاب على مخالفة الوجوب النفسي ؛ وذلك لأنّ استحقاق العقاب على مخالفة الواجب إنّما هو بلحاظ ما يعبّر عنه الواجب من مبادئ وملاكات تفوت بذلك. ومن الواضح أنّ الواجب الغيري ليس له مبادئ وملاكات سوى ما للواجب النفسي من ملاك ، فلا معنى لتعدّد استحقاق العقاب.
__________________
(١) وخالف في ذلك السيّد الخوئي ، حيث ذهب إلى استحقاق من أتى بالمقدّمة للثواب زائدا على الثواب الموجود في الواجب النفسي فيما لو كانت موصلة للواجب النفسي بأن جاء بالواجب النفسي بعد المقدّمة ، بل يستحقّ الثواب على الإتيان بالمقدّمة بقصد التوصّل بها إلى الواجب النفسي حتّى لو لم يتحقّق بعدها الواجب النفسي بأن صدّ أو منع أو عجز عنه فيما بعد. وعلّل ذلك بأنّ الثواب يترتّب على عنوان الانقياد والإطاعة وهو هنا ثابت.
وجوابه : أمّا استحقاق الثواب الزائد على الواجب النفسي فهذا لم يحصل من نفس الوجوب الغيري ، وإنّما حصل نتيجة ترتّب عنوان آخر وهو كون « أفضل الأعمال أحمزها » ، ممّا يعني أنّه استحقّ الثواب على عنوان الأشقيّة لا على عنوان الوجوب الغيري ، وهذا ما دلّت عليه الروايات وإلا لم يكن يستحقّ للثواب الزائد.
وأمّا استحقاق الثواب على الإتيان بالمقدّمة بقصد التوصّل ولكن لم يترتّب عليها الواجب النفسي لا عن عمد واختيار ، فهذا إمّا يكون نحو تفضّل من المولى ، وإمّا للروايات الخاصّة التي دلّت على أنّ من يهمّ بالحسنة ولم يعملها فله ثوابها ، أو من همّ بعمل ولم يعمله كان له ثوابه.
وأمّا التعليل فهو وإن كان صحيحا إلا أنّه بمعنى أنّ المكلّف ينقاد للمولى ويأتي بمطلوب المولى النفسي بحسب علم المكلّف لا بحسب الواقع ؛ إذ قد لا يكون ما علم به ثابتا أصلا ، فالانقياد موضوعه أوسع ؛ لأنّه يشمل من يطيع ويأتي بالمطلوب النفسي الواقعي ومن يطيع ولا يأتي بالمطلوب النفسي الواقعي ، بل يأتي بما يعتقد أنّه كذلك مع كونه مخطئا في الحقيقة وغير مصيب للواقع.