الخصوصيّة الثالثة : بلحاظ العقاب.
لا إشكال في عدم ترتّب العقاب على مخالفة الوجوب الغيري بترك المقدّمة ، بمعنى أنّه لا يحكم العقل باستحقاق المكلّف الذي يترك المقدّمة العقاب على ترك المقدّمة زائدا على العقاب الذي يستحقّه بترك ذي المقدّمة أي الواجب النفسي. وكذا لا يحكم العقل بازدياد العقوبة أو شدّتها وإلا للزم ازدياد العقاب كلّما كثرت المقدّمات ، وهذا لا يقول به أحد.
والوجه في عدم استحقاق العقوبة على ترك المقدّمة هو أنّ المناط في حكم العقاب باستحقاق العقوبة عند مخالفة الواجب إنّما يكون بلحاظ ما يفوت بترك الواجب من المبادئ والملاكات على المولى ، فالمكلّف بتركه للواجب الفعلي يكون قد فوّت على المولى ملاكا فعليّا مع قدرته على تحصيله ، ولذلك يحكم العقل باستحقاق العقوبة ، ولا يشترط أن يكون الملاك الذي يفوت ثابتا في الواقع ، بل يكفي أن يكون ثابتا باعتقاد المكلّف وعلمه ، ولذلك استحقّ المتجرّي العقوبة كالعاصي ؛ لأنّهما يشتركان في هتك حرمة المولى والتعدّي على حدوده.
وحينئذ يقال : إنّ الوجوب الغيري لمّا لم يكن ناشئا من ملاكات ومبادئ مستقلّة عن الواجب النفسي كما تقدّم سابقا ، فلا يكون عدم التحرّك عنه مفوّتا لملاك زائد عن الملاك الموجود في الواجب النفسي ، إذ تقدّم أنّ الواجب الغيري لا محرّكيّة ولا داعويّة له بنحو مستقلّ عن الواجب النفسي ، وهذا لأنّه ليس له مبادئ في نفسه ، ومن هنا لا يكون قد فات على المولى إلا ملاك واحد لا أزيد فيحكم العقل باستحقاق المكلّف عقوبة واحدة لا أكثر.
ومن هنا لم يكن هناك عقوبات متعدّدة بتعدّد المقدّمات فيما لو تركها جميعا ، فإنّ الوجدان والعرف يقضيان بعدم التعدّد ، وهذا شاهد على عدم كون الوجوب الغيري موضوعا مستقلاّ لحكم العقل باستحقاق العقوبة على الترك.
ورابعا : أنّ الوجوب الغيري ملاكه المقدّميّة ، وهذا يفرض تعلّقه بواقع المقدّمة دون أن يؤخذ فيه أيّ شيء إضافي لا دخل له في حصول ذي المقدّمة.
ومن هنا كان قصد التوصّل بالمقدّمة إلى امتثال أمر المولى والتقرّب بها نحوه تعالى خارجا عن دائرة الوجوب الغيري ؛ لعدم دخل ذلك في حصول الواجب النفسي.