فطيّ المسافة إلى الميقات كيفما وقع وبأي داع اتّفق يحقّق الواجب الغيري ، ولا يتوقّف الحجّ على وقوع هذا الطي بقصد قربي ، وهذا معنى ما يقال : من أنّ الوجوبات الغيريّة توصّليّة.
الخصوصيّة الرابعة : في ملاك الوجوب الغيري.
ممّا تقدّم يظهر لنا أنّ الملاك للوجوب الغيري هو عنوان المقدّميّة ، بمعنى أنّ الوجوب الغيري إنّما كان واجبا بملاك كونه مقدّمة للواجب النفسي ؛ إذ لو لم يكن مقدّمة للواجب النفسي لم يكن هناك أي داع ولا غرض للمولى في جعل الوجوب الشرعي عليه.
وهذا معناه أنّ الوجوب الغيري متعلّق بالمقدّمة أي بواقع المقدّمة ، أي ما يصدّق عليه في الواقع أنّه مقدّمة للواجب النفسي ، فمثلا طيّ المسافة إلى الميقات من أجل الحجّ الواجب إنّما يتّصف بكونه مقدّمة فيما لو كان واقعا وحقيقة مقدّمة يستتبعها الإتيان بالواجب ، بحيث لم يكن هناك أي شيء يمنع من تحقّق الواجب خارجا عن قدرة المكلّف واختياره ، فالمقتضي موجود وأمّا المانع الذاتي والداخلي فهو منتف.
نعم ، قد يتّفق حصول المانع الطارئ والخارج عن اختيار وقدرة المكلّف ، فيكون المقصود من واقع المقدّمة هو الفعل الذي من شأنه أن يؤدّي إلى الواجب ويكون مقتضيا لذلك في نفسه بقطع النظر عن المانع الخارجي ، وليس هناك أي شيء آخر يضاف إلى واقع المقدّمة ممّا لا يكون دخيلا في تحقّق ذي المقدّمة.
وعلى هذا الأساس نقول : إنّ قصد التوصّل بالمقدّمة إلى امتثال أمر المولى أي الواجب النفسي ، والتقرّب بالمقدّمة إلى المولى ليس داخلا في دائرة الوجوب الغيري ، بل هو خارج عنه ، بمعنى أنّ المكلّف لا يشترط حين إتيانه بالمقدّمة أن يقصد التوصّل بها إلى أمر المولى ولا يشترط أن يقصد القربة أيضا. نعم ، يمكنه أن يقصد ذلك إلا أنّه ليس شرطا.
والوجه في ذلك : هو أنّ الوجوب الغيري لمّا تعلّق بواقع المقدّمة فالمهمّ والمطلوب هو حصول هذه المقدّمة من المكلّف ، سواء قصد حين الإتيان بها القربة أم لا ، وسواء قصد التوصّل بها إلى الواجب أم لا. نعم ، يشترط ألاّ يقصد عدم التوصّل بها إلى الواجب ؛ لأنّه من الواضح أنّ المكلّف الذي يكون قاصدا عدم التوصّل بالمقدّمة إلى