الواجب لن تكون المقدّمة واقعا ، بمعنى أنّ المقتضي ليس موجودا فيها ؛ لأنّنا قلنا : إنّ المقدّمة هي التي تكون واجدة لمقتضي الإتيان بالواجب ، فمن يقصد عدم الإتيان بالواجب يكون ما أتى به من فعل ليس مقدّمة حقيقة وواقعا.
وبتعبير آخر : إنّ طيّ المسافة للذهاب إلى الميقات من أجل الإتيان بالحجّ الواجب ، إنّما يتّصف هذا الفعل بعنوان المقدّميّة فيما إذا كان فيه المقتضي للإتيان بالواجب ، وهذا المقتضي يتحقّق بأن لا يقصد المكلّف عدم الإتيان بالواجب.
وأمّا شرطيّة قصد التوصّل بالمقدّمة إلى الواجب ، أو شرطيّة القربة لله تعالى بالمقدّمة فهذه خارجة عن دائرة الوجوب الغيري ؛ لأنّ عنوان المقدّمة أو واقع المقدّمة يتحقّق سواء قصد ذلك أم لا.
فمثلا من يذهب إلى الميقات من دون قصد التوصّل ومن دون قصد القربة يمكنه أن يأتي بالحجّ الواجب ما دام لم يقصد عدم الإتيان به ، وأمّا لو قصد عدم الإتيان بالحجّ الواجب فذهابه إلى الميقات لا يفيد شيئا ولا يسمّى مقدّمة أصلا ، إلا إذا تاب ورجع عن قصده ذاك.
ومن هنا يتّضح معنى ما يقال : من أنّ الواجبات الغيريّة توصّليّة ، فإنّ المقصود من ذلك أنّ الملاك من الوجوب الغيري هو عنوان الوصول ، أو ما يكون موصّلا إلى الواجب النفسي من دون أيّة إضافات أخرى. وهذا غير التوصّليّة المقابلة للتعبّديّة فإنّها بمعنى عدم اشتراط قصد القربة في الفعل في مقابل اشتراطه ، بينما هنا بمعنى الوصول بالمقدّمة إلى ذيها ، أي كون المقدّمة موصلة إلى الواجب النفسي بمعنى وجود المقتضي للإيصال.