وأما القول المختار : فهو أنّ الوجوب الغيري إنّما يتعلّق بخصوص المقدّمة الموصلة دون غيرها ، وفاقا لصاحب ( الفصول ) وغيره ، ولكن على أساس ما نختاره من تفسير للإيصال.
وتوضيحه : أنّ الوجوب الغيري متعلّق بمجموع المقدّمات والأجزاء المساوقة للعلّة التامّة ، بحيث إذا وجدت كان وجود الواجب النفسي مضمونا أي مضمون التحقّق بعدها ، فذات المقدّمة وواقع العلّة التامّة هي المأخوذة تحت الإرادة الغيريّة وتحت الوجوب الغيري ، ولا يكون كلّ جزء جزء بنحو مستقلّ أو بنحو مركّب هو العلّة والمقدّمة ، بل مجموع الأجزاء بما هو مجموع هو العلّة التامّة والمقدّمة الموصلة للواجب.
وبهذا سوف يندفع الإشكال الذي ذكر في البرهان على القول الأوّل ، والذي كان حاصله : أنّ الواجب النفسي سوف يصبح قيدا للوجوب الغيري وهو غير معقول ؛ لما ذكر من المحاذير.
ووجه اندفاعه : أنّ أخذ مجموع الأجزاء والمقدّمات لا يعني أنّ كلّ جزء متوقّف على حصول الجزء الآخر ، أو مقيّد بذات الجزء الآخر ، بل المجموع بما هو مجموع مأخوذ في المقدّمة.
ومن جملة هذه المقدّمات والأجزاء أيضا اختيار المكلّف للفعل ، فإنّ الاختيار جزء من العلّة التامّة واقعا ، فيكون دخيلا في المقدّمة أيضا.
والحاصل : أنّنا نقصد بالمقدّمة الموصلة هو تحقّق كلّ ما يكون دخيلا في إيجاد الواجب بحيث إذا وجدت كلّها ترتّب الواجب عليها ، فهي بمثابة العلّة التي متى ما وجدت وجد المعلول بعدها لا محالة ، إلا إذا وجد مانع خارج عن اختيار وقدرة المكلّف.
* * *