لازمه لا محالة وجود غرض نفسي ورائه ؛ لأنّ ما يكون غرضا لغيره فهذا الغير إمّا أن يكون أصيلا ونفسيّا أو لا يكون كذلك ، فإن لم يكن نفسيّا بل كان غيريّا عاد السؤال إليه ولا ينقطع التسلسل إلا بفرض وجود غرض نفسي يرجع إليه الغرض الغيري ، إذا لا بدّ من التسليم بوجود الغرض النفسي ورائه.
وإذا قيل بوجود غرض نفسي ورائه كما هو الصحيح ، فهنا نسأل عن هذا الغرض النفسي ما هو؟
فإذا كان هو حصول الواجب ثبت المدّعى ، وأنّ الغرض الأساس والنفسي من الوجوب الغيري هو حصول الواجب النفسي ، وليس التمكّن فقط.
وإذا كان هو التمكّن من الواجب النفسي عاد الكلام من أوّله ولا ينقطع ، فيلزم منه التسلسل الممتنع (١).
وبهذا يظهر أنّ الوجوب الغيري لا يتعلّق إلا بالمقدّمة الموصلة ، ممّا يعني أنّ الملاك والغرض منه إنّما هو حصول الواجب النفسي على المقدّمة وترتّبه عليها.
وإلى هنا نكون قد استعرضنا أدلّة الطرفين ، وأمّا الصحيح منهما فهو :
فالصحيح إذا : اختصاص الوجوب بالحصّة الموصلة ، ولكن لا بمعنى أخذ الواجب النفسي قيدا في متعلّق الوجوب الغيري كما توهّم في البرهان على القول الأوّل ، بل بمعنى أنّ الوجوب الغيري متعلّق بمجموعة المقدّمات التي متى ما وجدت كان وجود الواجب بعدها مضمونا.
__________________
(١) ونضيف إلى ذلك ما ذكره صاحب ( الفصول ) ، فقال ما ملخّصه :
أوّلا : أنّ الوجدان يقضي باختصاص الوجوب الغيري بالمقدّمة الموصلة ؛ لأنّ العقل الذي يدرك وجوب المقدّمة يقضي بتعلّق الوجوب بالمقدّمة الموصلة للواجب لا غير.
وثانيا : أنّ الغرض من الواجب الغيري ليس إلا الحصّة الموصلة ؛ لأنّ العقلاء إذا تعلّقت أغراضهم التكوينيّة بشيء فيسلكون الطريق الموصل إليه لا غيره ، فالمولى العرفي إذا تعلّق غرضه بشيء فلا يتحرّك بنفسه ولا يحرّك عبده إلا نحو المقدّمات الموصلة لغرضه دون غيرها.
وثالثا : أنّ المولى يمكنه أن ينهى ويردع عن المقدّمة غير الموصلة ، فلو كانت مطلق المقدّمة واجبة شرعا لم يمكنه إصدار مثل هذا النهي ؛ للزوم اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد وهو مستحيل.