وهاتان المشكلتان لا بدّ من حلّهما بنحو يتناسب مع حقيقة الوجوب الغيري والمحافظة على خصائصه المتقدّمة ، وإلا لكانت نقضا على ما ذكر من خصائص للوجوب الغيري ، بل تكون دليلا على عدم صحّتها في نفسها ؛ لأنّ الواقع على خلافها.
هذا ، وقد أجيب عن هاتين المشكلتين بأجوبة عديدة ومختلفة ، والسيّد الشهيد يذكر جوابا لكلّ واحدة من المشكلتين ، ولذلك قال :
والجواب : أمّا فيما يتّصل بالحالة الثانية : فهو أنّها تنفي استتباع امتثال الوجوب الغيري بما هو امتثال له للثواب ، ولا تنفي ترتّب الثواب على المقدّمة بما هي شروع في امتثال الوجوب النفسي ؛ وذلك فيما إذا أتى بها بقصد التوصّل بها إلى امتثاله.
وما ثبت بالروايات من الثواب على المقدّمات يمكن تطبيقه على ذلك.
أمّا الجواب عن المشكلة الأولى : فقد تقدّم في خصائص الوجوب الغيري أنّه لا يستتبع ثوابا على فعله ، ولكن قلنا هناك بأنّه لا يستتبع الثواب على فعله ( بما هو امتثال له ) ، فإنّ هذا التقييد يحلّ المشكلة المذكورة ؛ وذلك لأنّنا ننفي ترتّب الثواب على فعل الواجب الغيري من جهة كونه امتثالا للواجب الغيري ، ولم ننف ترتّب الثواب على فعله ولو من جهة أخرى بأن كان قاصدا التوصّل به إلى الواجب النفسي مثلا.
ولذلك فمن يأتي بالمقدّمة بقصد التوصّل بها إلى الواجب النفسي يكون قد شرع في امتثال الواجب النفسي من حين اشتغاله بالمقدّمة ، ولذلك يبدأ الثواب من ذاك الحين ، فهنا الثواب لم يترتّب على امتثال الواجب الغيري بما هو وجوب غيري ، بل يترتّب عليه بما هو امتثال للواجب النفسي وشروع في امتثاله. إذا ترتّب الثواب على المقدّمات لا يخالف حقيقة الوجوب الغيري.
وما ورد من ترتّب الثواب على فعل بعض المقدّمات يمكن حمله على هذا المعنى ، أي على أنّه قد شرع في امتثال الواجب النفسي من حين إتيانه بالمقدّمة بقصد التوصّل بها إلى الواجب النفسي (١).
__________________
(١) هذا كلّه فيما إذا أتى بالواجب النفسي بعد المقدّمة ، وأمّا مع عدم تحقّق الواجب النفسي فلعلّ ما ذكر لا يكفي في تخريج الاستحباب ، ولذلك يوجد تخريجان آخران :
أحدهما : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) من ثبوت الاستحباب النفسي للمقدّمة ، فإنّ الدليل ..