وأمّا فيما يتّصل بالحالة الرابعة فإنّها في الحقيقة إنّما تنفي دخول أيّ شيء في دائرة الوجوب الغيري زائدا على ذات المقدّمة التي يتوقّف عليها الواجب النفسي.
فإذا كان الواجب النفسي متوقّفا على ذات الفعل امتنع أخذ قصد القربة في متعلّق الوجوب الغيري ؛ لعدم توقّف الواجب النفسي عليه.
وإذا كان الواجب النفسي متوقّفا على الفعل مع قصد القربة تعيّن تعلّق الوجوب الغيري بهما معا ؛ لأنّ قصد القربة في هذه الحالة يعتبر جزءا من المقدّمة.
وفي كلّ مورد يقوم فيه الدليل على عباديّة المقدّمة نستكشف انطباق هذه الحالة [ عليه ].
وأما الجواب عن المشكلة الثانية : فقد ذكرنا في الخصوصيّة الرابعة أنّ الوجوب الغيري ملاكه المقدّميّة والتوقّف ، ولذلك فهو يتعلّق بواقع المقدّمة من دون أن يكون لأيّة خصوصيّة أخرى مدخليّة في ذلك. وعليه ، لم يكن قصد التوصّل لامتثال الواجب ولم يكن للتقرّب والعباديّة أيّة دخالة فيه ، فيتحقّق الواجب الغيري سواء قصد ذلك أم لا.
وهذا إنّما ينفي أن يكون قصد القربة والعباديّة جزءا دخيلا في الوجوب الغيري ، ووجه الانتفاء واضح ؛ لأنّه لا داعويّة ولا محرّكيّة ولا ثواب ولا عقاب ولا ملاك فيه ، إلا أنّ هذا لا ينفي إمكان وقوع الواجب الغيري مع قصد التوصّل والامتثال أو التقرّب والعباديّة.
وعليه ، فإذا كان الواجب النفسي متوقّفا على ذات الفعل فقط فلا معنى لأخذ
__________________
... الدالّ على ترتّب الثواب على المقدّمة سواء تحقّق الواجب بعدها أم لا ، يعتبر دليلا على إثبات استحبابها النفسي فيأتي بها بقصد امتثال أمرها ولذلك يثاب عليها. وهذا إخراج لها من دائرة الوجوب الغيري إلى الوجوب النفسي.
والآخر : أنّ المقدّمة شيء ، وما ورد الثواب عليه بعنوانه شيء آخر. فلو وجبت الزيارة مثلا وجبت مقدّمتها وهي السفر وطيّ المسافة ، وما ورد عليه الثواب هو المشي أي أحد مصاديق المقدّمة ، أو أحد كيفيّاتها ، فنفس المقدّمة بعنوانها الكلّي الجامع واجب غيري لا ثواب عليه ، وأمّا عنوان المشي بنفسه فهو مورد للثواب وللاستحباب النفسي بعنوانه الخاصّ.
وقد يجاب أيضا بالأشدّيّة والأحمزيّة ؛ لأنّ أفضل الأعمال أحمزها ؛ فالمشي يوجب مزيد مشقّة وتعب فيشمله الدليل المذكور.