دلالة الأوامر
الاضطراريّة والظاهريّة على الإجزاء
لا شكّ في أنّ الأصل اللفظي ـ في كلّ واجب لدليله إطلاق ـ [ يقتضي ] أنّه لا يجزي عنه شيء آخر ؛ لأنّ إجزاءه عنه معناه كونه مسقطا ، ومرجع مسقطيّة غير الواجب للواجب أخذ عدمه قيدا في الوجوب ، وهذا التقييد منفي بإطلاق دليل الواجب. وهذا ما قد يسمّى بقاعدة عدم الإجزاء.
المراد من الإجزاء هو معناه اللغوي أي الكفاية والاكتفاء بما أتى به المكلّف ، فإنّه لا شكّ في إجزاء الأمر وسقوطه فيما إذا أتى المكلّف بمتعلّقه على الوجه الذي أمر به ، وسقوطه هنا بمعنى سقوط فاعليّته كالعصيان أيضا.
وأما إذا أتى بشيء آخر غير ما أمر به فالأصل الأوّلي يقتضي عدم إجزائه ؛ لأنّ الأمر لا يدعو إلا إلى متعلّقه لا إلى شيء آخر. نعم ، يسقط بتحقيق الغرض والملاك أيضا كما تقدّم في طي البحوث السابقة.
وأمّا إجزاء غير المتعلّق وغير الغرض والملاك فهو معناه أنّ الأمر قد قيّد بعدمه ، فيكون عدم ذاك الشيء مأخوذا قيدا في الأمر ؛ لأنّه إذا وجد سقط الأمر عن الفعليّة أو الفاعليّة.
إلا أنّ هذا التقييد في الأمر لا يمكن قبوله ؛ لأنّ دليل الأمر لمّا كان خاليا من هذا القيد أمكن نفيه بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ، إذ لو كان الشارع يريد التقييد ثبوتا وواقعا لدلّ عليه إثباتا وذكره في لسان الدليل.
وبهذا يتبيّن أنّ الأصل اللفظي في كلّ واجب هو عدم إجزاء غيره عنه ؛ لأنّ إجزاءه يعني أخذ عدمه قيدا وبما أنّ القيد غير مذكور فهو غير مراد.