وهذا ما يسمّى بقاعدة عدم الإجزاء.
نعم ، إذا دلّ دليل خاصّ من خارج دليل الأمر على الإجزاء فيؤخذ به ، كما هو الحال في إجزاء الأضحية عن العقيقة ، فإنّها تجزي بمعنى أنّ الأضحية تسقط استحباب العقيقة وتجزي عنها. وأمّا مع عدم وجود الدليل الخاصّ فالأصل هو عدم إجزاء شيء آخر عن الواجب.
ولكن يدّعى الخروج عن هذه القاعدة في بعض الحالات استنادا إلى ملازمة عقليّة ، كما في حالة الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري.
إذ قد يقال بأنّ الأمر الاضطراري أو الظاهري يدلّ دلالة التزاميّة عقليّة على إجزاء متعلّقه عن الواجب الواقعي على أساس وجود ملازمة بين جعله وبين نكتة تقتضي الإجزاء ، والتفصيل كما يلي :
قد يقال : إنّ الأصل المتقدّم وهو عدم إجزاء غير الواجب عن الواجب قد يخرج عنه في بعض الحالات لا بسبب وجود الدليل الخاصّ على الإجزاء ، فإنّ هذا لا كلام فيه ، وإنّما على أساس دعوى وجود ملازمة عقليّة تقتضي الإجزاء.
ومن هنا يقال : إنّ الأمر الاضطراري يجزي عن الأمر الاختياري ، من قبيل الصلاة من جلوس فإنّ المكلّف مأمور بالصلاة من قيام ، ولكنّه إذا اضطرّ إلى الجلوس في بعض الحالات فصلّى بهذه الحالة أجزأه عن الأمر الاختياري ، ولا يجب عليه الإعادة ولا القضاء.
وهكذا يقال بالنسبة للأمر الظاهري فإنّه يجزي عن الأمر الواقعي ، كما إذا عمل بالأمارة أو بالأصل ثمّ انكشف له الواقع فيما بعد أو انكشف خلاف ما عمل ، فإنّه يقال بالإجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء.
والإجزاء في هذين الموردين بما أنّه ليس على القاعدة والأصل اللفظي على خلافه احتاج إلى دليل ، وبما أنّ الدليل الخاصّ من آية أو رواية ليس موجودا ، فيكون المدرك لذلك هو الدليل العقلي اللبّي ، فيقال : إنّ العقل يحكم بالتلازم بين العمل بالأمر الاضطراري أو الظاهري وبين الإجزاء. وهذا ما يسمّى بقاعدة الإجزاء ، وهو ما سوف نبحث عنه في مقامنا.